وزعم إرسطو وأتباعه أن المنطق ميزان المعانى، كما أن العروض ميزان الشعر.
وقد بين نظار الإسلام فساد هذا الميزان وعوجه، وتعويجه للعقول، وتخبيطه للأذهان. وصنفوا فى رده وتهافته كثيرا.
وآخر من صنف فى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، ألف فى رده وإبطاله كتابين، كبيرا، وصغيرا، بين فيه تناقضه وتهافته وفساد كثير من أوضاعه.
ورأيت فيه تصنيفا لأبى سعيد السيرافى.
والمقصود: أن الملاحدة درجت على أثر هذا المعلم الأول، حتى انتهت نوبتهم إلى معلمهم الثانى: أبى نصر الفارابى. فوضع لهم التعاليم الصوتية، كما أن المعلم الأول وضع لهم التعاليم الحرفية، ثم وسع الفارابى الكلام فى صناعة المنطلق، وبسطها وشرح فلسفة إرسطو وهذبها، وبالغ فى ذلك. وكان على طريقة سلفه: من الكفر بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله واليوم الآخر.
فكل فيلسوف لا يكون عند هؤلاء كذلك فليس بفيلسوف فى الحقيقة. وإذا رأوه مؤمنا بالله وملائكته، وكتبه ورسله، ولقائه، متقيدا بشريعة الإسلام، نسبوه إلى الجهل والغباوة. فإن كان ممن لا يشكون فى فضيلته ومعرفته، نسبوه إلى التلبيس والتنميس بناموس الدين استمالة لقلوب العوام.
فالزندقة والإلحاد عند هؤلاء جزء من مسمى الفضيلة، أو شرط.
ولعل الجاهل يقول: إنا تحاملنا عليهم فى نسبة الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله إليهم. وليس هذا من جهلة بمقالات القوم، وجهلة بحقائق الإسلام ببعيد.
فاعلم أن الله - سبحانه وتعالى عما يقولون عندهم كما قرره أفضل متأخريهم، ولسانهم، وقدوتهم الذى يقدمونه على الرسل: أبو على بن سينا: هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق. وليس له عندهم صفة ثبوتية تقوم به، ولا يفعل شيئا باختياره البتة ولا يعلم شيئا من الموجوادت أصلا، لا يعلم عدد الأفلاك، ولا شيئا من المغيبات. ولا له كلام يقوم به، ولا صفة.
ومعلوم أن هذا إنما هو خيال مقدر فى الذهن، لا حقيقة له، وإنما غايته أن يفرضه الذهن