فليس فى الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصية فى تبعيد القلب من الله، فإنهما من أعظم الخبائث، فإذا انصبغ القلب بهما بعد ممن هو طيب، لا يصعد إليه إلا طيب، وكلما ازداد خبثا ازداد من الله بعدا، ولهذا قال المسيح عليه السلام فيما رواه الإمام أحمد فى كتاب الزهد:"لا يكون البطالون من الحكماء، ولا يلج الزناة ملكوت السماء".
ولما كانت هذا حال الزنا كان قريبا للشرك فى كتاب الله تعالى. قال الله تعالى:
{الزَّانِى لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرمَ ذلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ}[النور: ٣] .
والصواب: القول بأن هذه الآية محكمة يعمل بها لم ينسخها شىء، وهى مشتملة على خبر وتحريم، ولم يأت من ادعى نسخها بحجة البتة، والذى أشكل منها على كثير من الناس واضح بحمد الله تعالى، فإنهم أشكل عليهم قوله:{الزَّانِى لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً}[النور: ٣] هل هو خبر أو نهى، أو إباحة؟ فإن كان خبرا فقد رأينا كثيرا من الزناة ينكح عفيفة، وإن كان نهيا فيكون قد نهى الزانى أن يتزوج إلا بزانية أو مشركة، فيكون نهياً له عن نكاح المؤمنات العفائف، وإباحة له فى نكاح المشركات والزوانى، والله سبحانه لم يرد ذلك قطعاً، فلما أشكل عليهم ذلك طلبوا للآية وجها يصح حملها عليه.
فقال بعضهم: المراد من النكاح الوطء والزنا، فكأنه قال: الزانى لا يزنى إلا بزانية أو مشركة.
وهذا فاسد، فإنه لا فائدة فيه، ويصان كلام الله تعالى عن حمله على مثل ذلك، فإنه من المعلوم أن الزانى لا يزنى إلا بزانية، فأى فائدة فى الإخبار بذلك؟ ولما رأى الجمهور فساد هذا التأويل أعرضوا عنه.
ثم قالت طائفة: هذا عام اللفظ خاص المعنى، والمراد به رجل واحد وامرأة واحدة وهى عناق البَغِى وصاحبها فإنه أسلم، واستأذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى نكاحها فنزلت هذه الآية.