فلنرجع الآن إلى ذكر مدينة قابس التي في نحر البحر الملح وهي مدينة الأفارقة التي تقدم ذكرها وذلك أن من مدينة قابس إلى الفوارة ثلاثون ميلا وكانت فيما سلف قرية وهي الآن خراب ومنها إلى آبار خبت ثلاثون ميلا ومن آبار خبت إلى قصر الدرق ثمانية وعشرون ميلا ومن قصر الدرق إلى بئر الجمالين ثلاثون ميلا ومنها إلى صبرة أربعة وعشرون ميلا ومن قصر صبرة إلى اطرابلس مرحلة وكل هذه المنازل التي ذكرناها في هذا الطريق خلاء بلقع قد أتت العرب على عمارتها وطمست آثارها وأخربت عشارها وأفنت خيراتها فليس بها الآن أنيس قاطن ولا حليف ساكن وهي مستباحة لقبيلة من العرب تسمى مرداس ورياح.
وطريق آخر من قابس إلى وادي احناس ثم إلى بئر زناتة ثم إلى تامدفيت إلى آبار العباس إلى تافنات إلى بئر الصفاء إلى اطرابلس.
ومدينة اطرابلس مدينة حصينة عليها سور حجارة وهي في نحر البحر بيضاء حسنة الشوارع متقنة الأسواق وبها صناع وأمتعة يتجهز بها إلى كثير من الجهات وكانت قبل هذا مفضلة العمارات من جميع جهاتها كثيرة شجر الزيتون والتين وبها فواكه جمة ونخل إلا أن العرب أضرت بها وبما حولها من ذلك وأجلت أهلها وأقفرت بواديها وغيرت أحوالها وأبادت أشجارها وأغورت مياهها واستفتحها الملك رجار في سنة أربعين وخمس مائة فسبى حرمها وأفنى رجالها وهي الآن له في طاعته ومعدودة في جملة بلاده وأرض