وكذلك من مدينة صايس إلى مدينة جارطرش ثمانون ميلا بين شرق وجنوب ومن مدينة صايس إلى رينش المتقدم ذكرها في أرض برطانية شمالا سبعون ميلا وكذلك من رينش إلى مدينة بينش التي على البحر السابق ذكرها غربا تسعون ميلا.
وهذه البلاد التي ذكرناها بلاد تتقارب صفاتها وتتشابه حالاتها وتتصل عماراتها وجهاتها وتشتبك أقاليمها وغلاتها وتتفاضل موجوباتها وخيراتها والجهالات على أهلها غالبة وغلظ الطبع فيهم موجود ظاهر وهي بالجملة بلاد خصب ورفاهية وقلة مبالاة بالأمور ويكنفهم من جهة المغرب البحر المظلم وتأتيهم منه أنواء وأمطار متصلة وضبابات عامة ولسيما البلاد التي تلي الساحل منه.
وهذا البحر بحر غليظ المياه كدر اللون هائل الموج عميق القعر متصل الظلمات صعب المركب عاصف الرياح لا يعرف انتهاؤه في جهة المغرب وبه جزائر كثيرة غير عامرة وقليل ما يسلك هذا البحر إلا نادرا والقوم الذين يسلكونه لهم به معرفة وجسر على ركوبه وأيضا فإنهم يسيرون فيه مساحلة لا يفارقون البر منه وأيام سفرهم فيه أيام قلائل وهي مدة شهر اسطريون (؟) وشهر أوسو وأكثر ما يركبه القوم المسمون بالإنكليسيين وأهل جزيرة إنكرطارة وهي جزيرة كبيرة عامرة بها مدن كثيرة وعمارات وحروث وأنهار جارية وسنأتي بذكرها ونستقصي صفاتها في موضعها بحول الله تعالى.