للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جالس، فقال لك: يا عمر إذا عملت فاعمل بعمل هذين -لأبي بكر وعمر- فاستحلف له عمر بالله لرأيت هذا، فحلف له، فبكى عمر١.

بويع بالخلافة بعهد من سليمان، في صفر سنة تسع وتسعين كما تقدم، فمكث فيها سنتين وخمسة أشهر، نحو خلافة الصديق -رضي الله عنه- ملأ الأرض عدلًا، وردّ المظالم، وسن السنن الحسنة، ولما قرئ كتاب العهد باسمه عقر٢ وقال: والله إن هذا الأمر ما سألته الله قط؛ وقدم إليه صاحب المراكب مركب الخليفة فأبى وقال: ائتوني ببغلتي: قال الحكم بن عمر: شهدت عمر بن عبد العزيز حين جاءه أصحاب المراكب يسألونه العلوفة ورزق خدمتها، قال: ابعث بها إلى أمصار الشام يبيعونها فيمن يريد، واجعل أثمانها في مال الله، تكفيني بغلتي هذه الشهباء.

وقال عمر بن ذر: لما رجع عمر من جنازة سليمان قال له مولاه: مالي أراك مغتمًّا؟ قال: لمثل ما أنا فيه فليغتم، ليس أحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إليّ فيه ولا طالبه مني.

وعن عمرو بن مهاجر وغيره: أن عمر لما استخلف قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنه لا كتاب بعد القرآن، ولا نبي بعد محمد -صلى الله عليه وسلم- ألا وإني لست بفارض ولكني منفذ، ولست بمبتدع، ولكني متبع، ولست بخير من أحدكم، ولكني أثقلكم حملًا، وإن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وعن الزهري قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب في الصدقات، فكتب إليه بالذي سأل، وكتب إليه: إنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه ورجاله، في مثل زمانك ورجالك كنت عند الله خيرًا من عمر.

وعن حماد: أن عمر لما استخلف بكى فقال: يا أبا فلان، أتخشى علي؟ قال: كيف حبك الدرهم؟ قال: لا أحبه، قال: لا تخف فإن الله سيعينك.

وعن مغيرة قال: جمع عمر حين استخلف بني مروان، فقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت له فدك ينفق منها ويعول منها على صغير بني هاشم ويزوج منها أيمهم، وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى، فكانت كذلك حياة أبي بكر ثم عمر، ثم أقطعها مروان، ثم صارت لعمر بن عبد العزيز، فرأيت أمرًا منعه النبي -صلى الله عليه وسلم- فاطمة ليس لي بحق، وإني أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن الليث قال: ولما ولي عمر بدأ بلحمته٣ وأهل بيته، فأخذ ما بأيديهم، وسَمّى أموالهم مظالم.


١ أخرجه أبو نعيم في الحلية "٣٣٦/٥".
٢ أي: لم يستطع أن يتقدم أو يتأخر من مفاجأة الروع. النهاية "٢٧٣/٣".
٣ اللحمة بالضم: القرابة. مختار الصحاح "٥٩٤".

<<  <   >  >>