للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الظاهر بأمر الله أبو نصر١

الظاهر بأمر الله: أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله.

ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وبايع له أبوه بولاية العهد، واستخلف عند موت والده وهو ابن اثنتين وخمسين سنة، فقيل له: ألا تتفسح؟ قال: لقد يبس الزرع، فقيل: يبارك الله في عمرك! قال: من فتح دكانًا بعد العصر إيش يكسب؟! ثم إنه أحسن إلى الرعية، وأبطل المكوس، وأزال المظالم، وفرق الأموال، ذكر ذلك أبو شامة.

وقال ابن الأثير في الكامل: لما ولي الظاهر الخلافة أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنة العمرين، فلو قيل: إنه ما ولي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقًا، فإنه أعاد من الأموال المغصوبة والأموال المأخوذة في أيام أبيه وقبلها شيئًا كثيرًا، وأبطل المكوس في البلاد جميعها وأمر بإعادة الخراج القديم في جميع العراق وبإسقاط جميع ما جدده أبوه، وكان ذلك كثيرًا لا يحصى، فمن ذلك أن قرية يعقوبا كان يحصل منها قديمًا عشرة آلاف دينار، فلما استخلف الناصر كان يؤخذ منها في السنة ثمانون ألف دينار فاستغاث أهلها، فأعادها الظاهر إلى الخراج الأول.

ولما أعاد الخراج الأصلي على البلاد حضر خلق، وذكروا أن أملاكهم قد يبست أكثر أشجارها وخربت، فأمر ألا يؤخذ إلا من كل شجرة سالمة.

ومن عدله أن صنجة الخزانة كانت راجحة نصف قيراط في المثقال يقبضون بها ويعطون بصنجة البلد، فخرج خطه إلى الوزير وأوله: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين} الآيات [المطففين: ١] وفيه: قد بلغنا أن الأمر كذا وكذا، فتعاد صنجة الخزانة إلى ما يتعامل به الناس، فكتبوا إليه أن في هذا تفاوتًا كثيرًا، وقد حسبنا في العام الماضي فكان خمسة وثلاثين ألف دينار، فأعاد الجواب ينكر على القائل ويقول: يبطل ولو أنه ثلاثمائة ألف وخمسون ألف دينار.

ومن عدله أن صاحب الديوان قدم من واسط، ومعه أزيد من مائة ألف دينار من ظلم، فردها على أربابها، أخرج أهل الحبوس، وأرسل إلى القاضي عشرة آلاف دينار ليوفيها عمن


١ تولى الخلافة ٦٢٢هـ، إلى ٦٢٣هـ.

<<  <   >  >>