المستكفي بالله: أبو القاسم عبد الله بن المكتفي بن المعتضد، أمه أم ولد اسمها أملح الناس، بويع بالخلافة عند خلع المتقي، في صفر سنة ثلاث وثلاثين وعمره إحدى وأربعون سنة، ومات تورون في أيامه، ومعه كاتبه أبو جعفر بن شيرزاد فطمع في المملكة، وحلف العساكر لنفسه، فخلع عليه الخليفة، ثم دخل أحمد بن بويه بغداد فاختفى ابن شيرزاد، ودخل ابن بويه دار الخلافة، فوقف بين يدي الخليفة فخلع عليه ولقبه: معز الدولة، ولقب أخاه عليًّا: عماد الدولة، وأخاهما الحسن: ركن الدولة، وضرب ألقابهم على السكة، ولقب المستكفي نفسه: إمام الحق، وضرب ذلك على السكة، ثم إن معز الدولة قوي أمره وحجر على الخليفة، وقدر له كل يوم برسم النفقة خمسة آلاف درهم فقط، وهو أول من ملك العراق من الديلم، وأول من أظهر السعاة ببغداد، وأغرى المصارعين والسباحين، فانهمك شباب بغداد في تعلم المصارعة والسباحة، حتى صار السباح يسبح وعلى يده كانون وفوقه قدرة، فيسبح حتى ينضج اللحم.
ثم إن معز الدولة تخيل من المستكفي، فدخل عليه في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين فوقف -والناس وقوف على مراتبهم- فتقدم اثنان من الديلم إلى الخليفة فمد يديه إليهما ظنًّا أنهما يريدان تقبيلها، فجذباه من السرير حتى طرحاه إلى الأرض، وجراه بعمامته، وهاجم الديلم دار الخلافة إلى الحرم ونهبوها، فلم يبق فيها شيء، ومضى معز الدولة إلى منزله، وساقوا المستكفي ماشيًا إليه، وخلع، وسملت عيناه يومئذ، وكانت خلافته سنة وأربعة أشهر، وأحضروا الفضل بن المقتدر وبايعوه، ثم قدموا ابن عمه المستكفي، فسلم عليه بالخلافة، وأشهد على نفسه بالخلع، ثم سجن إلى أن مات سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائة وله ست وأربعون سنة وشهران وكان يتظاهر بالتشيع.