للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالت فاطمة امرأته: ما أعلم أنه اغتسل لا من جنابة ولا من احتلام منذ استخلف الله حتى قبضه.

وقال سهل بن صدقة: لما استخلف عمر سمع في منزله بكاء، فسألوا عن ذلك، فقالوا: إن عمر خير جواريه فقال: قد نزل بي أمر قد شغلني عنكم، فمن أحب أن أعتقه أعتقته، ومن أحب أن أمسكه أمسكته، وإن لم يكن مني إليها حاجة، فبكين إياسًا منه، قالت فاطمة امرأته: كان إذا دخل البيت ألقى نفسه في مسجده فلا يزال يبكي ويدعو حتى تغلبه عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع١.

وقال الوليد بن أبي السائب: ما رأيت أحدًا قط أخوف من عمر٢.

وقال سعيد بن سويد: صلى عمر بالناس الجمعة -وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه- فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعطاك، فلو لبست، فنكس مليًّا ثم رفع رأسه فقال: إن أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند القدرة.

وقال ميمون بن مهران: سمعت عمر يقول: لو أقمت فيكم خمسين عامًا ما استكملت فيكم العدل، إني لأريد الأمر وأخاف ألا تحمله قلوبكم فأخرج معه طمعًا من الدنيا، فإن أنكرت قلوبكم هذا سكنت إلى هذا.

وقال إبراهيم بن ميسرة: قلت لطاوس: هو المهدي؟ -يعني: عمر بن عبد العزيز- قال: هو مهدي، وليس به، إنه لم يستكمل العدل كله.

وقال عمر بن أسيد: والله ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح بماله كله، قد أغنى عمر الناس.

وقال جويرية: دخلنا على فاطمة ابنة علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- فأثنت على عمر بن عبد العزيز، وقالت: لو كان بقي لنا ما احتجنا بعد إلى أحد.

وقال عطاء بن أبي رباح: حدثتني فاطمة امرأة عمر أنها دخلت عليه وهو في مصلاه تسيل دموعه على لحيته، فقالت: يا أمير المؤمنين ألشيء حدث؟ قال: يا فاطمة إني تقلدت من أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أسودها وأحمرها؛ فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد؛ فعلمت أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة؛ فخشيت ألا تثبت لي حجة؛ فبكيت.

وقال الأوزاعي: إن عمر بن عبد العزيز كان جالسًا في بيته وعنده أشراف بني أمية، فقال: أتحبون أن أولي كل رجل منكم جندًا؟ فقال رجل منهم: لم تعرض علينا ما لا تفعله؟ قال: ترون بساطي هذا؟ إني لأعلم أنه يصير إلى بلى وفناء، وإني أكره أن تدنسوه


١ أخرج أبو نعيم في الحلية "٢٦٠،٢٥٩/٥".
٢ أخرجه أبو نعيم في الحلية "٢٦٠/٥".

<<  <   >  >>