للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل: في ذكر مرضه ووفاته

قال أيوب: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو أتيت المدينة فإن مت دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: والله لأن يعذبني الله بكل عذاب إلا النار أحب إليّ من أن يعلم الله من أني أراني لذلك الموضع أهلًا.

وقال وليد بن هشام: قيل لعمر في مرضه: ألا تتداوى؟ فقال: لقد علمت الساعة التي سقيت فيها، ولو كان شفائي أن أمسح شحمة أذني أو أوتى بطيب فأرفعه إلى أنفي ما فعلت.

وقال عبيد بن حسان: لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال: اخرجوا عني، فقعد مسلمة وفاطمة على الباب: فسمعوه يقول: مرحبًا بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قال: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَة} الآية، [القصص: ٨٣] ، ثم هدأ الصوت، فدخلوا فوجدوه قد قبض، رضي الله عنه.

وقال هشام: لما جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال الحسن البصري: مات خير الناس.

وقال خالد الربعي: إنا نجد في التوراة أن السموات والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحًا.

وقال يوسف بن ماهك: بينا نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا كتاب رق من السماء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار ١.

وقال قتادة: كتب عمر بن عبد العزيز إلى ولي العهد من بعده: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر إلى يزيد بن عبد الملك، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني كتبت وأنا دنف من وجعي، وقد علمت أني مسئول عما وليت، يحاسبني عليه مليك الدنيا والآخرة، ولست أستطيع أن أخفي عليه من عملي شيئًا، فإن رضي عني فقد أفلحت ونجوت من الهوان الطويل، وإن سخط عليّ فيا ويح نفسي إلى ما أصير، أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجيرني من النار برحمته، وأن يمن علي برضوانه والجنة؛ فعليك بتقوى الله، الرعية الرعية، فإنك لن تبقى بعدي إلا قليلًا، والسلام٢.

أسند هذا كله أبو نعيم في الحلية.

توفي عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- بدير سمعان -بكسر السين- من أعمال حمص لعشر بقين -وقيل: لخمس بقين- من رجب سنة إحدى ومائة، وله حينئذ تسع وثلاثون سنة وستة أشهر، وكانت وفاته بالسم، كانت بنو أمية قد تبرموا به؛ لكونه شدد عليهم وانتزع من أيديهم كثيرًا مما غصبوه، وكان قد أهمل التحرز فسقوه السم.


١ أخرجه أبو نعيم في الحلية "٣٣٧/٥".
٢ أخرجه أبو نعيم في الحلية "٢٧٤/٥".

<<  <   >  >>