للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: أي بنيّ استدم النعمة بالشكر، والمقدرة بالعفو، والطاعة بالتأنف، والنصر بالتواضع والرحمة للناس.

وأخرج عن مبارك بن فضالة قال: كنا عند المنصور، فدعا برجل ودعا بالسيف، فقال المبارك، يا أمير المؤمنين، سمعت الحسن يقول: قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إذا كان يوم القيامة قام منادٍ من عند الله ينادي: ليقم الذين أجرهم على الله؛ فلا يقوم إلا من عفا". فقال المنصور: خلّوا سبيله.

وأخرج عن الأصمعي قال: أتى المنصور برجل يعاقبه، فقال: يا أمير المؤمنين، الانتقام عدل، والتجاوز فضل، ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين، فعفا عنه.

وأخرج عن الأصمعي قال: لقي المنصور أعرابيًّا بالشام، فقال: أحمد الله يا أعرابي الذي رفع عنكم الطاعون بولايتنا أهل البيت، قال: إن الله لا يجمع علينا حشفًا وسوء كيل، ولايتكم والطاعون؟.

وأخرج عن محمد بن منصور البغدادي قال: قام بعض الزهاد بين يدي المنصور فقال: إن الله قد أعطاك الدنيا بأسرها، فاشترِ نفسك ببعضها، واذكر ليلة تبيت في القبر لم تبت قبلها ليلة، واذكر ليلة تمخض عن يوم لا ليلة بعده، فأفحم المنصور وأمر له بمال، فقال: لو احتجت إلى مالك ما وعظتك.

وأخرج عن عبد السلام بن حرب: أن المنصور بعث إلى عمرو بن عبيد، فجاءه فأمر له بمال، فأبى أن يقبله، فقال له المنصور: والله لتقبلنه، فقال: والله لا أقبله، فقال له المهدي: قد حلف أمير المؤمنين، فقال: أمير المؤمنين أقوى على كفارة اليمين من عمك، فقال له المنصور: سل حاجتك؟ قال: أسألك ألا تدعوني حتى آتيك، ولا تعطيني حتى أسألك، فقال: علمت أني جعلت هذا وليّ عهدي؟ فقال: يأتيه الأمر يوم يأتيه وأنت مشغول.

وأخرج عن عبد الله بن صالح قال: كتب المنصور إلى سوار بن عبد الله قاضي البصرة: انظر الأرض التي تخاصم فيها فلان القائد وفلان التاجر فادفعها إلى القائد، فكتب إليه سوار: إن البينة قد قامت عندي أنها للتاجر، فلست أخرجها من يده إلا ببينة، فكتب إليه المنصور: والله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها إلى القائد، فكتب إليه سوار: والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجتها من يد التاجر إلا بحق، فلما جاءه الكتاب قال: ملأتها والله عدلًا، وصار قضاتي تردني إلى الحق.

وأخرج من وجه آخر أن المنصور وشى إليه بسوار، فاستقدمه، فعطس المنصور، فلم يشمّته سوار، فقال: ما يمنعك من التشميت؟ قال: لأنك لم تحمد الله، فقال: قد حمدت في نفسي، قال: شَمّتك في نفسي قال: ارجع إلى عملك فإنك إذا لم تحابني لم تحابِ غيري.

<<  <   >  >>