للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي سنة إحدى وثمانين فتح حصن الصفصاف عنوة، وهو الفاتح له.

وفي سنة ثلاث وثمانين خرج الخزر على أرمينية، فأوقعوا بأهل الإسلام، وسفكوا، وسبوا أزيد من مائة ألف نسمة، وجرى على الإسلام أمر عظيم لم يسمع قبله مثله.

وفي سنة سبع وثمانين أتاه كتاب من ملك الروم: نقفور، بنقض الهدنة التي كانت عقدت بين المسلمين وبين الملكة: ريني، ملكة الروم.

وصورة الكتاب: من نقفور ملك الروم، إلى هارون ملك العرب: أما بعد؛ فإن الملكة التي كانت قبل كانت أقامتك مقام الرخّ وأقامت نفسها مقام البيذق، فحملت إليك من أموالها أحمالًا، وذلك لضعف النساء وحمقهنّ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وإلا فالسيف بيننا وبينك.

فلما قرأ الرشيد الكتاب استشاط غضبًا حتى لم يمكن أحد أن ينظر إلى وجهه دون أن يخاطبه، وتفرّق جلساؤه من الخوف، واستعجم الرأي على الوزير، فدعا الرشيد بدواة، وكتب على ظهر كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين، إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يابن الكافرة، والجواب ما تراه، لا ما تسمعه.

ثم سار ليومه، فلم يز حتى نازل مدينة هرقل، وكانت غزوة مشهورة وفتحًا مبينًا فطلب نقفور الموادعة١، والتزم بخراج يحمله كل سنة، فأجيب.

فلما رجع الرشيد إلى الرقة نقض الكلب العهد لإياسه من كرّة الرشيد في البرد، فلم يجترئ أحد أن يبلغ الرشيد نقضه، بل قال عبد الله بن يوسف التيمي:

نقض الذي أعطيته نقفور ... فعليه دائرة البوار تدور

أبشر أمير المؤمنين فإنه ... غنم أتاك به الإله كبير

وقال أبو العتاهية أبياتًا، وعرضت على الرشيد، فقال: أو قد فعلها؟ فكرّ راجعًا في مشقة شديدة حتى أناخ بفنائه، فلم يبرح حتى بلغ مراده، وحاز جهاده.

وفي ذلك يقول أبو العتاهية:

ألا نادت هرقلة بالخراب ... من الملك الموفق للصواب

غدا هارون يرعد بالمنايا ... ويبرق بالمذكرة القضاب

ورايات يحل النصر فيها ... تمر كأنها قطع السحاب

وفي سنة تسع وثمانين فادى الروم حتى لم يبقَ بممالكهم في الأسر مسلم.

وفي سنة تسعين فتح هرقلة، وبثّ جيوشه بأرض الروم، فافتتح شراحيل بن معن بن زائدة حصن الصقالبة، وافتتح يزيد بن مخلد ملقونية، وسار حميد بن معيوف إلى قبرص فهدم وحرق، وسبى من أهلها ستة عشر ألفًا.


١ الموادعة: أي المصالحة، والتوادع: التصالح. انظر: مختار الصحاح "٧١٤".

<<  <   >  >>