قال: أحسنت يا نضر، وأخذ القرطاس، فكتب شيئًا لا أدري ما هو، ثم قال: كيف تقول أفعل من التراب؟ قلت: أترب، قال: ومن الطين؟ قلت: طن، قال: فالكتاب ماذا؟ قلت: مترب مطين، قال: هذه أحسن من الأول، فكتب لي بخمسين ألف درهم، ثم أمر الخادم أن يوصلني إلى الفضل بن سهل، فمضيت معه، فلما قرأ الكتاب قال: يا نضر لحنت أمير المؤمنين؟ قلت: كلا! ولكن هشيم لحانة، فتبع أمير المؤمنين لفظه، فأمر لي من عنده بثلاثين ألفًا، فخرجت إلى منزلي بثمانين ألفًا.
وأخرج الخطيب١ عن محمد بن زياد الأعرابي قال: بعثت إلى المأمون، فصرت إليه، هو في بستان يمشي مع يحيى بن أكثم، فرأيتهما موليين، فجلست، فلما أقبلا قمت فسلمت عليه بالخلافة فسمتعه يقول ليحيى: يا أبا محمد ما أحسن أدبه رآنا موليين فجلس، ثم رآنا مقبلين فقام، ثم رد علي السلام، فقال: أخبرني عن قول هند بنت عتبة:
نحن بنات طارق نمشي على ... النمارق مشي قطا الهمارق
من طارق هذا؟ فنظرت في نسبها، فلم أجده فقلت: يا أمير المؤمنين ما أعرف في نسبها، فقال: إنما أرادت النجم، وانتسبت إليه لحسنها، من قول الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِق} [الطارق: ١] فقلت: فأيده يا أمير المؤمنين، فقال: أنا بؤبؤ هذا الأمر وابن بؤبؤه، ثم رمى إليّ بعنبرة كان يقلبها في يده بعتها بخمسة آلاف درهم.
وأخرج عن أبي عبادة قال: كان المأمون أحد ملوك الأرض، وكان يجب له هذا الاسم على الحقيقة.
وأخرج عن ابن أبي دؤاد قال: دخل رجل من الخوارج على المأمون، فقال له المأمون ما حملك على خلافنا؟ قال: آية في كتاب الله، قال: وما هي؟ قال: قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون} [المائدة: ٤٤] قال: ألك علم بأنها منزلة؟ قال: نعم، قال: وما دليلك؟ قال: إجماع الأمة، قال: فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل فارض بإجماعهم في التأويل، قال: صدقت، السلام عليك يا أمير المؤمنين.
وأخر ابن عساكر عن محمد بن منصور، قال: قال المأمون: من علامة الشريف أن يظلم من فوقه ويظلمه من هو دونه.
وأخرج عن سعيد بن مسلم قال: قال المأمون: لوددت أن أهل الجرائم عرفوا رأيي في العفو ليذهب عنهم الخوف، ويخلص السرور إلى قلوبهم.
وأخرج عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: وقف رجل بين يدي المأمون قد جنى جناية، فقال له: والله لأقتلنك، فقال يا أمير المؤمنين تأنَّ علي، فإن الرفق نصف العفو، قال: وكيف وقد حلفت لأقتلنك؟ فقال: لأن تلقى الله حانثًا خيرًا من أن تلقاه قاتلًا؛ فخلّى سبيله.
وأخرج الخطيب عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح، قال: بت عند المأمون ليلة، فنام القيم الذي كان يصلح السراج، فقام المأمون وأصلحه وسمعته يقول: ربما أكون في المتوضأ
١ أخرجه الخطيب في تاريخه "٢٨١/٥".