وقال الذهبي: كان المعتصم من أعظم الخلفاء وأهيبهم، لولا ما شان سؤدده بامتحان العلماء بخلق القرآن.
وقال نفطويه والصولي: للمعتصم مناقب، وكان يقال له: المثمن؛ لأنه ثامن الخلفاء من بني العباس، والثامن من ولد العباس، وثامن أولاد الرشيد، وملك سنة ثماني عشرة، وملك ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام، ومولده سنة ثمانٍ وسبعين، وعاش ثمانيًا وأربعين سنة، وطالعه العقرب، وهو ثامن برج، وفتح ثمانية فتوح، وقتل ثمانية أعداء، وخلف ثمانية أولاد، ومن الإناث كذلك، ومات لثمانٍ بقين من ربيع الأول.
وله محالسن، وكلمات فصيحة، وشعر لا بأس به، غير أنه إذا غضب لا يبالي من قتل.
وقال ابن أبي دؤاد: كان المعتصم يخرج ساعده إلي، ويقول: يا أبا عبد الله عض ساعدي بأكثر قوتك، فأمتنع، فيقول: إنه لا يضرني، فأروم ذلك، فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فضلًا عن الأسنان.
وقال نفطويه: وكان من أشد الناس بطشًا، كان يجعل زند الرجل بين أصبعيه فيكسره.
وقال غيره: هو أول خليفة أدخل الأتراك الديوان.
وكان يتشبه بملوك الأعاجم، ويمشي مشيتهم، وبلغ غلمانه الأتراك بضعة عشر ألفًا.
وقال ابن يونس: هجا دعبل المعتصم ثم نذر به، فخاف وهرب حتى قدم مصر ثم خرج إلى المغرب، والأبيات التي هجاه بها هذه:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة ... ولم يأتنا في ثمانٍ منهم الكتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة ... غداة ثووا فيها وثامنهم كلب
وإني لأزهى كلبهم عنك رغبة ... لأنك ذو ذنب وليس له ذنب
لقد ضاع أمر الناس حيث يسوسهم ... وصيف وأشناس، وقد عظم الخطب
وإني لأرجو أن ترى من مغيبها ... مطالع شمس قد يغص بها الشرب
وهمك تركي عليه مهانة ... فأنت له أم وأنت له أب
بويع له بالخلافة بعد المأمون، في شهر رجب سنة ثماني عشرة ومائتين فسلك ما كان المأمون عليه وختم به عمره من امتحان الناس بخلق القرآن، فكتب إلى البلاد بذلك، وأمر المعلمين أن يعلموا الصبيان ذلك، وقاسى الناس منه مشقة في ذلك، وقتل عليه خلقًا من العلماء، وضرب الإمام أحمد بن حنبل، وكان ضربه في سنة عشرين، وفيها تحول المعتصم من بغداد وبنى سر من رأى، ولك أنه اعتنى باقتناء الترك، فبعث إلى سمرقند وفرغانة والنواحي في شرائهم، وبذل فيهم الأموال، وألبسهم أنواع الديباج ومناطق الذهب، فكانوا يطردون خيلهم في بغداد، ويؤذون الناس، وضاقت بهم البلد، فاجتمع إليه أهل بغداد وقالوا: إن لم تخرج عنا بجندك حاربناك، قال: وكيف تحاربونني؟ قالوا: بسهام الأسحار، قال: لا طاقة لي بذلك؛ فكان ذلك سبب بنائه: سر من رأى، وتحول إليها.