وفي هذه السنة استفك من الروم ألفًا وستمائة أسير مسلم، فقال ابن أبي دؤاد قبحه الله: من قال من الأسارى القرآن مخلوق خلصوه وأعطوه دينارين، ومن امتنع دعوه في الأسر.
قال الخطيب: كان أحمد بن أبي دؤاد قد استولى على الواثق، وحمله على التشدد في المحنة، ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن، ويقال: إنه رجع عنه قبل موته.
وقال غيره: حمل إليه رجل فيمن حمل مكبّلًا بالحديد من بلاده، فلما دخل -وابن أبي دؤاد حاضر- قال المقيد: أخبرني عن هذا الرأي الذي دعوتم الناس إليه، أعلمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يدع الناس إليه، أم شيء لم يعلمه؟ قال ابن أبي دؤاد بل علمه، قال: فكان يسعه ألا يدعو الناس إليه وأنتم لا يسعكم؟ قال: فبهتوا وضحك الواثق، وقام قابضًا على فمه ودخل بيتًا، ومد رجليه وهو يقول: وسع النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يسكت عنه ولا يسعنا، فأمر له أن يعطى ثلاثمائة دينار، وأن يردّ إلى بلده، ولم يمتحن أحدًا بعدها، ومقت ابن أبي دؤاد من يومئذ.
والرجل المذكور هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد الأذرمي شيخ أبي داود والنسائي.
قال ابن أبي الدنيا: كان الواثق أبيض، تعلوه صفرة، حسن اللحية، وفي عينيه نكتة.
قال يحيى بن أكثم: ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب ما أحسن إليهم الواثق، ما مات وفيهم فقير.
وقال غيره: كان الواثق وافر الأدب، مليح الشعر، وكان يحب خادمًا أهدي له من مصر، فأغضبه الواثق يومًا، ثم إنه سمعه يقول لبعض الخدم، والله إنه ليروم أن أكلمه من أمس فما أفعل، فقال الواثق.
ياذا الذي بعذابي ظل مفتخرًا ... ما أنت إلا مليك جار إذا قدرا
لولا الهوى لتجارينا على قدر ... وإن أفق منه يومًا ما فسوف ترى
ومن شعر الواثق في خادمه:
مهج يملك المهج ... بسجى اللحظ والدّعج
حسن القد مخطف ... ذو دلال وذو غنج
ليس للعين إن بدا ... عنه باللحظ منعرج
وقال الصولي: كان الواثق يسمى المأمون الأصغر لأدبه وفضله، وكان المأمون يعظمه ويقدمه على ولده، وكان الواثق أعلم الناس بكل شيء، وكان شاعرًا، وكان أعلم الخلفاء بالغناء.
وله أصوات وألحان عملها نحو مائة صوت، وكان حاذقًا بضرب العود، راوية للأشعار