للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولد سنة ثماني عشرة وخمسمائة، وأمه أم ولد كرجية اسمها طاوس، خطب له أبوه بولاية العهد سنة سبع وأربعين.

وبويع له يوم موت أبيه، وكان موصوفًا بالعدل والرفق، أطلق من المكوس شيئًا كثيرًا بحيث لم يترك بالعراق مكسًا، وكان شديدًا على المفسدين، سجن رجلًا كان يسعى بالناس مدة، فحضره رجل وبذل فيه عشرة آلاف دينار، فقال: أنا أعطيك عشرة آلاف دينار ودلني على آخر مثله لأحبسه وأكف شره عن الناس.

قال ابن الجوزي: كان المستنجد موصوفًا بالفهم الثاقب، والرأي الصائب، والذكاء الغالب، والفضل الباهر، له نظم بديع، ونثر بليغ، ومعرفة بعمل آلات الفلك والإسطرلاب، وغير ذلك.

من شعره:

عيرتني بالشيب وهو وقار ... ليتها عيرت بما هو عار

إن تكن شابت الذوائب ... فالليالي تزينها الأقمار

وله في بخيل:

وباخل أشعل في بيته ... تكرمة منه لنا شمعه

فما جرت من عينها دمعه ... حتى جرت من عينه دمعة

وفيه في وزيره ابن هبيرة وقد رأى منه ما يعجبه من تدبير مصالح المسلمين:

صفت نعمتان خصتاك وعمتا ... بذكرهما حتى القيامة تذكر

جودك والدنيا إليك فقيرة ... وجودك والمعروف في الناس منكر

فلو رام يا يحيى مكانك جعفر ... ويحيى لكفا عنه يحيى وجعفر

ولم أر من ينوي لك السوء يا ... أبا المظفر إلا كنت أنت المظفر

مات في ثمانٍ من ربيع الآخرة سنة ست وستين.

وكان في أول سنة من خلافته مات الفائز صاحب مصر، وقام بعده العاضد لدين الله آخر خلفاء بني عبيد.

وفي سنة اثنتين وستين جهز السلطان نور الدين الأمير أسد الدين شيركوه في ألفي فارس إلى مصر، فنزل بالجيزة وحاصر مصر نحو شهرين، فاستنجد صاحبها بالفرنج، فدخلوا من دمياط لنجدته، فرحل أسد الدين إلى الصعيد، ثم وقعت بينه وبين المصريين حرب انتصر فيها على قلة عسكره وكثرة عدوه، وقتل من الفرنج ألوفًا، ثم جبا أسد الدين خراج الصعيد، وقصد الفرنج الإسكندرية، وقد أخذها صلاح الدين يوسف بن أيوب -وهو ابن أخي أسدالدين- فحاصروها أربعة أشهر، فتوجه أسد الدين إليهم، فرحلوا عنها، فرجع إلى الشام.

<<  <   >  >>