للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها، فلما كان أول جمعة من المحرم، صعد المنبر قبل الخطيب ودعا للمستضيء، فلم ينكر ذلك أحد، فلما كان الجمعة الثانية أمر صلاح الدين الخطباء بقطع خطبة العاضد، ففعل ذلك، ولم ينتطح فيها عنزان -والعاضد شديد المرض، فتوفي في يوم عاشوراء.

وفي سنة تسع وستين أرسل نور الدين إلى الخليفة بتقادم وتحف منها حمار مخطط وثوب عتابي، وخرج الخلق للفرجة عليه، وكان فيهم رجل عتابي كثير الدعاوى، وهو بليد ناقص الفضيلة، فقال رجل: إن كان قد بعث إلينا حمار عتابي فنحن عندنا عتابي حمار.

وفيه وقع برد بالسواد كالنارنج، هدم الدور وقتل جماعة وكثيرًا من المواشي، وزادت دجلة زيادة عظيمة بحيث غرقت بغداد وصليت الجمعة خارج السور، وزادت الفرات أيضًا وأهلكت قرى ومزارع، وابتهل الخلق إلى الله تعالى، ومن العجائب أن هذا الماء على هذه الصفة ودجيل قد هلكت مزارعه بالعطش.

وفيها مات السلطان نور الدين -وكان صاحب دمشق- وابنه الملك الصالح إسماعيل -وهو صبي- فتحركت الفرنج بالسواحل فصولحوا بمال وهودنوا.

وفيها أراد جماعة من شيعة العبيديين ومحبيهم إقامة الدعوة وردها إلى آل العاضد ووافقهم جماعة من أمراء صلاح الدين، فاطلع صلاح الدين على ذلك، فصلبهم بين القصرين.

وفي سنة اثنتين وسبعين أمر صلاح الدين ببناء السور الأعظم المحيط بمصر والقاهرة، وجعل على بنائه الأمير بهاء الدين قراقوش.

قال ابن الأثير: دوره تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالهاشمي.

وفيها أمر بإنشاء قلعة بجبل المقطم -وهي التي صارت دار السلطنة- ولم تتم إلا في أيام السلطان الملك الكامل ابن أخي صلاح الدين وهو أول من سكنها. وفيها بنى صلاح الدين تربة الإمام الشافعي.

وفي سنة أربع وسبعين هبت ببغداد ريح شديدة نصف الليل، وظهرت أعمدة مثل النار في أطراف السماء، واستغاث الناس استغاثة شديدة، وبقي الأمر على ذلك إلى السحر.

وفي سنة خمس وسبعين مات الخليفة المستضيء في سلخ شوال، وعهد إلى ابنه أحمد.

وممن مات في أيام المستضيء من الأعلام: ابن الخشاب النحوي، وملك النحاة أبو نزار الحسن بن صافي، والحافظ أبو العلاء الهمذاني، وناصح الدين بن الدهان النحوي، والحافظ الكبير ابن عساكر من حفدة الشافعي، والحيص بيص الشاعر، والحافظ أبو بكر بن خير، وآخرون.

<<  <   >  >>