هذا لم يطرق الأسماع مثله، فإن الإسكندر الذي ملك الدنيا لم يملكها في هذه السرعة، وإنما ملكها في نحو عشر سنين، ولم يقتل أحدًا، وإنما رضي بالطاعة، وهؤلاء قد ملكوا أكثر المعمور من الأرض وأحسنه وأعمره في نحو سنة، ولم يبق أحد في البلاد التي لم يتركوها إلا وهو خائف يترقب وصولهم إليه.
ثم إنهم لم يحتاجوا إلى ميرة١، ومددهم يأتيهم، فإن معهم الأغنام والبقر والخيل يأكلون لحومها، لا غير.
وأما خيلهم فإنها تحفر الأرض بحوافرها، وتأكل عروق النبات، ولا تعرف الشعير.
وأما ديانتهم فإنهم يسجدون للشمس عند طلوعها، ولا يحرمون شيئًا، ويأكلون جميع الدواب، وبني آدم، ولا يعرفون نكاحًا، بل المرأة يأتيها غير واحد.
ولما دخلت سنة ست وخمسين وصل التتار إلى بغداد، وهم مائتا ألف، ويقدمهم هولاكوا، فخرج إليهم عسكر الخليفة، فهزم العسكر.
ودخلوا بغداد يوم عاشوراء، فأشار الوزير -لعنه الله- على المستعصم بمصانعتهم وقال: أخرج إليهم أنا في تقرير الصلح، فخرج وتوثق بنفسه منهم، وورد إلى الخليفة، وقال: إن الملك قد رغب في أن يزوج ابنته بابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته، ولا يريد ألا أن تكون الطاعة كما كان أجدادك مع السلاطين السلجوقية، وينصرف عنك بجيوشه، فليجب مولانا إلى هذا فإن فيه حقن دماء المسلمين، ويمكن بعد ذلك أن تفعل ما تريد، والرأي أن تخرج إليه، فخرج إليه في جمع من الأعيان، فأنزل في خيمة.
ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا العقد، فخرجوا من بغداد، فضربت أعناقهم، وصار كذلك: تخرج طائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم، حتى قتل جميع من هناك من العلماء والأمراء والحجاب والكبار.
ثم مد الجسر، وبذل السيف في بغداد، واستمر القتال فيها نحو أربعين يومًا، فبلغ القتلى أكثر من ألف ألف نسمة، ولم يسلم إلا من اختفى في بئر أو قناة، وقتل الخليفة رفسًا.
قال الذهبي: وما أظنه دفن، وقتل معه جماعة من أولاده وأعمامه، وأسر بعضهم، وكانت بلية لم يصب الإسلام بمثلها، ولم يتم للوزير ما أراد، وذاق من التتار الذل والهوان، ولم تطل أيامه بعد ذلك، وعملت الشعراء قصائد مراثي بغداد وأهلها وتمثل بقول سبط التعاويذي: