للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجدادها، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد: فإن أمير المؤمنين لما أكسبه الله من ميراث النبوة ما كان لجده، ووهبه من الملك السليماني ما لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمه منطق الطير مما يتحمله حمائم الطبائق من بدائع البيان، وسخر له من البريد على متون الخير ما سخره من الريح لسليمان، وآتاه الله من خاتم الأنبياء ما امتد به أبوه سليمان وتصرف، وأعطاه من الفخار به وما أطاعه كل مخلوق، ولم يتخلف، وجعل له من لباس بني العباس ما يقضي له سواده بسؤدد الأجداد، وينفض على ظل الهدب ما فضل به من سويداء القلب، وسواد البصر من السواد، ويمد ظله على الأرض وكل مكان دار ملك وكل مدينة بغداد، وهو في ليلة السجاد وفي نهاره العسكري وفي كرمه جعفر وهو الجواد، يديم الابتهال إلى الله تعالى في توفيقه، والابتهاج بما يغص كل عدو بريقه، ويبدأ يوم هذه المبايعة بما هو الأهم من مصالح الإسلام، ومصالح الأعمال ثم تتحلى به الأيام، ويقدم التقوى أمامه، ويقرر عليها أحكامه، ويتبع الشرع الشريف ويقف عنده ويوقف الناس، ومن لا يحمل أمره طائعًا على العين يحمله غصبًا على الرأس، ويعجل أمير المؤمنين بما استقر به النفوس، ويرد به كيد الشيطان وإنه يئوس، ويأخذ بقلوب الرعايا وهو غني عن هذا ولكنه يسوس، وأمير المؤمنين يشهد الله عليه وخلقه بأن أقر ولي كل أمر من ولاة أمور الإسلام على حاله، واستمر به في مقيله تحت كنف ظلاله، على اختلاف طبقات ولاة الأمور، وطرقات المماليك والثغور، برًّا وبحرًا، وسهلًا ووعرًا، شرقًا وغربًا، بعدًا وقربًا، وكل جليل وحقير، وقليل وكثير، وصغير وكبير، ومالك ومملوك وأمير، وجندي يبرق له سيف شهير، ورمح ظهير، ومن مع هؤلاء من وزراء وقضاة وكتاب، ومن له تدقيق في إنشاء وتحقيق في حساب، ومن يتحدث في بريد وخراج، ومن يحتاج إليه ومن لا يحتاج، ومن في التدريس والمدارس والربط والزوايا والخوانق، ومن له أعظم التعلقات وأدنى العلائق، وسائر أرباب المراتب، وأصحاب الرواتب، ومن له من مال الله رزق مقسوم، وحق مجهول أو معلوم، واستمر كل امرئ على ما هو عليه، حتى يستخير الله ويتبين له ما بين يديه، ومن ازداد تأهيله، زاد تفضيله، وإلا فأمير المؤمنين لا يريد إلا وجه الله، ولا يحابي أحدًا في دين الله، ولا يحابي في حق فإن المحاباة في الحق مداجاة على المسلمين، وكل ما هو مستمر إلى الآن مستقر على حكم الله مما فهمه الله له وفهمه سليمان، لا يغير أمير المؤمنين في ذلك ولا في بعضه تغييرًا شكرًا لله على نعمه، وهكذا يجازى من شكر، ولا يكدر على أحد موردًا نزه الله نعمه الصافية به على الكدر، ولا يتأول في ذلك متأول إلا من جحد النعمة وكفر، ولا يتعلل متعلل، فإن أمير المؤمنين نعوذ بالله ونعيد أيامه الغرر من الغير، وأمر أمير المؤمنين أعلى الله أمره أن يعلن الخطباء بذكره وذكر سلطان زمانه على المنابر في الآفاق وأن يضرب باسمهما النقود وتسير بالإطلاق، ويوشح بالدعاء لهما عطف الليل والنهار، ويصرح منه بما يشرق وجه الدرهم والدينار، وقد أسمع أمير المؤمنين في هذا المجمع المشهود ما يتناقله كل خطيب، ويتداوله كل بعيد وقريب، ومختصره أن الله أمر بأوامر ونهى عن نواهٍ وهو رقيب، وسيفرغ الألباء لها السجايا، ويفرغ الخطباء لها شعوب الوصايا،

<<  <   >  >>