ولما وصل المستعين إلى مصر سكن القلعة، وسكن شيخ الإصطبل، وفوض إليه المستعين تدبير المملكة بالديار المصرية، ولقب: نظام الملك، فكانت الأمراء إذا فرغوا من الخدمة بالقصر نزلوا إلى خدمة الشيخ إلى الإصطبل فأعيدت الخدمة عنده، ويقع عنده الإبرام والنقض، ثم يتوجه داوداره إلى المستعين فيعلم على المناشير والتواقيع، ثم إنه تقدم إليه بألا يمكن الخليفة من كتابة العلامة إلا بعد عرضها عليه، فاستوحش الخليفة، وضاق صدره، وكثر قلقه.
فلما كان في شعبان سأل شيخ الخليفة أن يفوض إليه السلطنة على العادة، فأجاب بشرط أن ينزل من القلعة إلى بيته، فلم يوافقه شيخ على ذلك، وتغلب على السلطنة, تلقب بالمؤيد وصرح بخلع المستعين.
وبايع بالخلافة أخاه داود، ونقل المستعين من القصر إلى دار من دور القلعة ومعه أهله، ووكل به من يمنعه الاجتماع بالناس، فبلغ ذلك نوروز نائب الشام، فجمع القضاة والعلماء واستفتاهم عما صنع المؤيد من خلع الخليفة وحصره، فأفتو بأن ذلك لا يجوز، فأجمع على قتال المؤيد، فخرج إليه المؤيد في سنة سبع عشرة وثمانمائة، وسير المستعين إلى الإسكندرية، فاعتقل بها إلى أن تولى ططر فأطلقه وأذن له في المجيء إلى القاهرة، فاختار سكنى الإسكندرية؛ لأنه استطابها، وحصل له مال كثير من التجارة، فاستمر إلى أن مات بها شهيدًا بالطاعون في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين.
ومن الحوادث الغريبة في أيامه: في سنة اثنتي عشرة كثير النيل في أول يوم من مسرى، وبلغت الزيادة اثنتين وعشرين ذراعًا.
وفي سنة أربع عشرة أرسل غياث الدين أعظم شاه بن إسكندر شاه ملك الهند يطلب التقليد من الخليفة وأرسل إليه مالًا وللسلطان هدية.
وممن مات في خلافته من الأعلام: الموفق الناشري شاعر اليمن، ونصر الله البغدادي عالم الحنابلة، والشمس المعيد نحوي مكة، والشهاب الحسباني، والشهاب الناشري فقيه اليمن، وابن الهائم صاحب الفرائض والحساب، وابن العفيف شاعر اليمن، والمحب ابن الشحنة عالم الحنفية والد قاضي العسكر.