للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في طائفة من المدينة، فجاء فكشف عن وجهه فقبله وقال: فداء لك أبي وأمي ما أطيبك حيًّا وميتًا، مات محمد ورب الكعبة ... - فذكر الحديث، قال: وانطلق أبو بكر وعمر يتفاودان حتى أتوهم، فتكلم أبو بكر، فلم يترك شيئًا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأنهم إلا ذكره وقال: لقد علمتم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار واديًا لسلكت وادي الأنصار". ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد: "قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم". فقال له سعد: صدقت، ونحن الوزراء، وأنتم الأمراء١.

وأخرج ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: لما بويع أبو بكر رأى من الناس بعض الانقباض فقال: أيها الناس، ما يمنعكم؟ ألست أحقكم بهذا الأمر؟ ألست أول من أسلم؟ ألست؟ ألست؟ فذكر خصالًا.

وأخرج أحمد عن رافع الطائي، قال: حدثني أبو بكر عن بيعته، وما قالته الأنصار، وما قاله عمر، قال: فبايعوني وقبلتها منهم، وتخوفت أن تكون فتنة يكون بعدها ردة.

وأخرج ابن إسحاق وابن عابد في مغازيه عنه أنه قال لأبي بكر: ما حملك على أن تلي أمر الناس وقد نهيتني أن أتأمر على اثنين؟ قال: لم أجد من ذلك بدًّا، خشيت على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- الفرقة.

وأخرج أحمد عن قيس بن أبي حازم قال: إن لجالس عند أبي بكر الصديق بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بشهر، فذكر قصته، فنودي في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر، ثم قال: أيها الناس، لوددت أن هذا كفانيه غيري، ولئن أخذتموني بسنّة نبيكم ما أطيقها، إن كان لمعصومًا من الشيطان، وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء٢.

وأخرج ابن سعد عن الحسن البصري قال: لما بويع أبو بكر قام خطيبًا فقال: أما بعد فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره، والله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- لم أقم به، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عبدًا أكرمه الله بالوحي وعصمه به، ألا وإنما أنا بشر، ولست بخير من أحدكم، فراعوني، ما رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني، واعلموا أن لي شيطانًا يعتريني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني، ولا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم٣.

وأخرج ابن سعد والخطيب في رواية مالك عن عروة قال: لما ولي أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني قد وليت أمركم، ولست بخيركم، ولكنه نزل القرآن، وسن النبي -صلى الله عليه وسلم- السنن، وعلمنا فعلمنا، فاعلموا -أيها الناس- أن أكيس الكيس التقي وأعجز العجز الفجور، وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وأن


١ أخرجه أحمد في المسند "٥/١".
٢ أخرجه أحمد في المسند "١٤،١٣/١".
٣ أخرجه ابن سعد في الطبقات "١٩٢/٢".

<<  <   >  >>