للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأَرْضِ} [الصف: ١] فذعرت، فقرأت إلى: {بِاللَّهِ وَرَسُولِه} [الصف: ١١] فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، فخرجوا إلي مبادرين وكبروا وقالوا: أبشر فقد دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين فقال: "اللهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك: إما أبو جهل ابن هشام وإما عمر". ودلوني على النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيت في أسفل الصفا فخرجت حتى قرعت الباب فقالوا: من؟ قلت: ابن الخطاب، وقد علموا شدتي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما اجترأ أحد على فتح الباب حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افتحوا له". ففتحوا لي فأخذ رجلان بعضدي حتى أتيا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "خلوا عنه"، ثم أخذ بمجامع قميصي وجذبني إليه ثم قال: "أسلم يابن الخطاب، اللهم اهده". فشهدت، فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة، وكانوا مستخفين فلم أشأ أن أرى رجلاً يَضرب ويُضرب إلا رأيته ولا يصيبني من ذلك شيء. فجئت إلى خالي أبي جهل وكان شريفًا فقرعت عليه الباب فقال: من هذا؟ فقلت: ابن الخطاب وقد صبأت، فقال: لا تفعل، ثم دخل وأجاف الباب دوني؛ فقلت: ما هذا بشيء.

فذهبت إلى رجل من عظماء قريش فناديته، فخرج إلي، فقلت له مثل مقالتي لخالي، فقال لي مثل ما قال لي خالي فدخل وأجاف الباب دوني، فقلت: ما هذا بشيء إن المسلمون يضربون ولا أضرب، فقال لي رجل:

أتحب أن يعلم بإسلامك؟ قلت: نعم، قال: فإذا جلس الناس في الحجر فأت فلانًا -لرجل لم يكن يكتم السر- فقل بينك وبينه إني قد صبأت فإنه قل ما يكتم السر فجئت وقد اجتمع الناس في الحجر فقلت فيما بيني وبينه قال: أو قد فعلت،

فقال: بأعلى صوته إن ابن لخطاب قد صبأ فبادروا إليّ فمازلت أضربهم ويضربونني واجتمع علي الناس فقال خالي: ما هذه الجماعة؟ قيل: عمر قد صبأ، فقام على الحجر فأشار بكمه ألا إني قد أجرت ابن أختي فتكشفوا عني، فكنت لا أشاء أن أرى أحدًا من المسلمين يضرب ويضرب إلا رأيته، فقلت ما هذا بشيء قد يصيبني فقلت: جوارك رد عليك، فمازلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام١.

وأخرج أبو نعيم في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سألت عمر -رضي الله عنه- لأي شيء سميت الفاروق؟ فقال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، فخرجت إلى المسجد فأسرع أبو جهل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسبه، فأخبر حمزة، فأخذ قوسه وخرج إلى المسجد إلى حلقة قريش التي فيها أبو جهل، فاتكأ على قوسه مقابل أبي جهل، فنظر إليه فعرف أبو جهل الشر في وجهه، فقال: مالك يا أبا عمارة؟ فرفع القوس فضرب بها أخدعه فقطعه، فسالت الدماء، فأصلحت ذلك قريش مخافة الشر، قال: ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- مختفٍ في دار الأرقم المخزومي فانطلق حمزة فأسلم فخرجت بعده بثلاثة أيام، فإذا


١ أخرجه البزار "١٧٤٨/٥"، والطبراني في الأوسط "ح٤٧٤٩"، وأبو نعيم في الحلية "٤١/١"، والبيهقي في الدلائل "٢١٦/٢-٢١٩".
٢ الأخدع: عرق في جانب العنق ويقابله عرق آخر في الجانب الآخر. النهاية "١٤/٢".

<<  <   >  >>