عليه وقبض على نصير الدين هذا وأمر بقتله بعد أن قال له: أنت تطلع إلى السماء؟ فقال له: لا، فقال: ينزل عليك ملك يخبرك؟ فقال له: لا، فقال هلاكو: فمن أين تعرف؟ قال نصير الدين: بالحساب، فقال: تكذب، أرني من معرفتك ما أصدقك به. وكان هلاكو جاهلا قليل المعرفة فقال له نصير الدين: في الليلة الفلانية في الوقت الفلاني يخسف القمر فقال هلاكو: احبسوه، إن صدق أطلقناه وأحسنّا إليه وإن كذب قتلناه. فحبس إلى الليلة المذكورة فخسف القمر خسوفا بالغا فاتفق أن هلاكو تلك الليلة غلب عليه السّكر فنام ولم يجسر أحد على انتباهه فقيل لنصير الدين ذلك فقال نصير الدين: إن لم ير القمر بعينه وإلاّ فغدا أنا مقتول لا محالة وفكر ساعة ثم قال للمغل: دقوا على الطاسات وإلاّ يذهب قمركم إلى يوم القيامة فشرع كل واحد يدق على طاسته فعظمت الغوغاء فانتبه هلاكو بهذه الحيلة ورأى القمر قد خسف فصدق وآمن به وكان ذلك سببا لاتصاله بهلاكو.
قلت: ومن ثم صار الدق على النحاس إذا خسف القمر ولم يكن له سبب غير ما ذكرناه. انتهى.
وكان نصير الدين هذا ذا عقل وحدس صائب وهو الذي عمل الرصد العظيم بمدينة مراغة واخذ في ذلك قبّة وخزانة عظيمة وملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد وقرر بالرصد المنجمين والفلاسفة والفضلاء. وكان حسن الصورة سمحا كريما جوادا حسن العشرة غزير الفضائل جليل القدر ذا هيبة.