وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن للملك بقلب ابن آدم لمة وللشيطان لمة فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالوعد ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} وإذا أراد خذلان عبد أمسك عنه تأييده وتثبيته وخلى بينه وبين نفسه ولم يكن بذلك ضالا له لأنه قد أعطاه قدرة وإرادة وعرفه الخير والشر وحذر طريق الهلاك وعرفه بها وحضه على سلوك طريق النجاة وعرفه بها ثم تركه وما اختار لنفسه وولاه ما تولى فإذا وجد شرا فلا يلومن إلا نفسه، قال القدري: فتلك الإرادة المعينة المستلزمة للفعل المعين إن كانت بإحداث العبد فهو قولنا وإن كانت بإحداث الرب سبحانه فهو قول الجبري وإن كانت بغير محدث لزم المحال، قال السني: لا تفتقر كل إرادة من العبد إلى مشيئة خاصة من الله توجب حدوثها بل يكفي في ذلك المشيئة العامة لجعله مريدا فإن الإرادة هي حركة النفس والله سبحانه شاء أن تكون متحركة وأما أن تكون كل حركة تستدعي مشيئة مفردة فلا وهذا كما أنه سبحانه شاء أن يكون الحي متنفسا ولا يفتقر كل نفس من أنفاسه إلى مشيئة خاصة وكذلك شاء أن يكون هذا الماء بجملته جاريا ولا تفتقر كل قطرة منه إلى مشيئة خاصة يجري بها الماء وكذلك مشيئته لحركات الأفلاك وهبوب الرياح ونزول الغيث وكذلك خطرات القلوب ووساوس النفس وكذلك مشيئته أن يكون العبد متكلما لا يستلزم أن يكون كل حرف بمشيئته غير مشيئة الحرف الآخر وإذا تبين ذلك فهو سبحانه شاء أن يكون عبده شائيا مريدا وتلك الإرادة والمشيئة صالحة للضدين فإذا شاء أن يهدي عبدا صرف داعيه ومشيئته وإرادته إلى معاشه ومعاده وإذا شاء أن يضله تركه ونفسه وتخلى عنه والنفس متحركة بطبعها لا بد لها من مراد محبوب هو مألوهها ومعبودها فإن لم يكن الله وحده هو معبودها ومرادها وإلا كان غيره لها معبودا ومرادا ولا بد فإن حركتها ومحبتها من لوازم ذاتها فإن لم تحب ربها وفاطرها وتعبده أحبت غيره وعبدته وإن لم تتعلق إرادتها بما ينفعها في معادها تعلقت بما يضرها فيه ولا بد فلا تعطيل في طبيعتها وهكذا خلقت فإن قلت فأين مشيئة الله لهداها وضلالها قلت إذا شاء إضلالها تركها ودواعيها وخلى بينها وبين ما تختاره وإذا شاء هداها جذب دواعيها وإرادتها إليه وصرف عنها موانع القبول فيمدها على القدر المشترك بينها وبين سائر النفوس بإمداد وجودي ويصرف عنها الموانع التي خلى بينها وبين غيرها فيها وهذا بمشيئته وقدرته فلم يخرج شيء من الموجودات عن مشيئته وقدرته وتكوينه البتة لكن يكون ما يشاء بأسباب وحكم ولو أن الجبرية أثبتت الأسباب والحكم لانحلت عنها عقد هذه المسألة ولو أن القدرية سحبت ذيل المشيئة والقدر والخلق على جميع الكائنات مع إثبات الحكم والغايات المحمودة في أفعال الرب سبحانه لانحلت عنها عقدها وبالله التوفيق.