للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو وسيلة إليها فإذا حصلت غايته كان بمنزلة الطريق الموصلة إلى القصد فإذا وصل بها السائر إلى مقصده لم يبق لسلوكها فائدة وسر المسألة أن الرحمة غاية الخلق والأمر لا العذاب فالعذاب من مخلوقاته وذلك مقتضى أنه خلقه لغاية محمودة ولا بد من ظهور أسمائه وأثر صفاته عموما وإطلاقا فإن هذا هو الكمال والرب جل جلاله موصوف بالكمال منزه عن النقص قالوا وقد قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وقال: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} قال أبو سعيد الخدري: "هذه تقضي على كل آية في القرآن" ذكره البيهقي وحرب وغيرهما وقال عبد الله بن مسعود: "ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا" وعن عمر بن الخطاب وأبي هريرة مثله ذكره جماعة من المصنفين في السنة وهذا يقتضي أن الدار التي لا يبقى فيها أحد هي التي يلبث فيها أهلها أحقابا وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "أخبرنا الله بالذي يشاء لأهل الجنة فقال تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار" قالوا ويكفينا ما في سورة الأنعام من قوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} إلى قوله: {امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} وهذا خطاب للكفار من الجن والإنس من وجوه، أحدها استكبارهم منهم أي من إغوائهم وإضلالهم وإنما استكبروا من الكفار، الثاني قوله: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ} وأولياؤهم هم الكفار كما قال تعالى: {إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} فحزب الشيطان هم أولياؤه والثالث قوله: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} ومع هذا فقال: {لنَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} ثم ختم الآية بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} فتعذيبهم متعلق بعلمه وحكمته وكذلك الاستثناء صادر عن علم وحكمة فهو عليم بما يفعل بهم حكيم في ذلك قالوا وقد ورد في القرآن أنه سبحانه إذا ذكر جزاء أهل رحمته وأهل غضبه معا أبّد جزاء أهل الرحمة وأطلق جزاء أهل الغضب كقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ َأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} وقوله: {نَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} وقوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وقد يقرن بينهما في الذكر ويقضي لهم بالخلود كقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} وقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} ولكن مجرد ذكر الخلود والتأبيد لا يقتضي عدم النهاية بل الخلود هو المكث الطويل كقولهم قيد مخلد وتأبيد كل شيء بحسبه فقد يكون التأبيد لمدة الحياة وقد يكون لمدة الدنيا قال تعالى عن اليهود: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ

<<  <   >  >>