أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} ومعلوم أنهم يتمنونه في النار حيث يقولون يا مالك ليقض علينا ربك وإنما استفيد عدم انتهاء نعيم الجنة بقوله:{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} وقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} وقوله: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي مقطوع ومن قال لا يمن به عليهم فقد أخطأ أقبح الخطأ ولم يجيء مثل ذلك في عذاب أهل النار وقوله عز وجل: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار} ِ {َمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} وقوله: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} وقوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} في موضعين من القرآن وقوله: {لَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} غير مصروف عن ظاهره وحقيقته على الصحيح وقد زعمت طائفة أن إطلاق هذه الآيات مقيد بآيات التقييد بالاستثناء بالمشيئة فيكون من باب تخصيص العموم وهذا كأنه قول من قال من السلف في آية الاستثناء أنها تقضي على كل وعيد في القرآن والصحيح أن هذه الآيات على عمومها وإطلاقها ولكن ليس فيها ما يدل على أن نفس النار دائمة بدوام الله لا انتهاء لها هذا ليس في القرآن ولا في السنة ما يدل عليه بوجه ما وفرق بين أن يكون عذاب أهلها دائما بدوامها وبين أن يكون هي أبدية لا انقطاع لها فلا تستحيل ولا تضمحل فهذا شيء وهذا شيء لا يقال فلا فرق على هذا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة إذ كان كل منهما يضمحل وينقطع قيل ما أظهر الفروق بينهما والأمر أبين من أن يحتاج إلى فرق وأيضا فعذاب الدنيا ينقطع بموت المعذب وإقلاع العذاب عنه وأما عذاب الآخرة فلا يموت من استحق الخلود فيه ولا يقلع العذاب عنه ولا يدفعه عنه أحد كما قال تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} وهو لازم لا يفارق قال تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} أي لازما ومنه سمى الغريم غريما لملازمة غريمه.
فصل: وأما الآثار في هذه المسألة فقال الطبراني حدثنا عبد الرحمن بن سلم حدثنا سهل بن عثمان حدثنا عبد الله بن مسعر بن كدام عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على جهنم يوم كأنها ورق هاج واحمر تخفق أبوابها" وقال حرب في مسائله: "سألت إسحاق قلت قول الله عز وجل: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} قال: أتت هذه الآية على كل وعيد في القرآن" حدثنا عبد الله بن معاذ حدثنا معتمر بن سليمان قال قال أبي حدثنا أبو نصرة عن جابر أو أبي سعيد أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذه الآية تأتي على القرآن كله إلا ما شاء ربك إنه فعال لما يريد قال المعتمر: "قال أي كل وعيد في القرآن" ثم تأول حرب ذلك فقال: "معناه عندي والله أعلم أنها تأتي على كل وعيد في القرآن لأهل التوحيد وكذلك قوله إلا ما شاء ربك استثنى من أهل القبلة الذين يخرجون من النار" وهذا التأويل لا يصح لأن الاستثناء إنما هو في وعيد الكفار فإنه سبحانه قال: {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} الآية ثم قال: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} فأهل التوحيد من الذين سعدوا شقوا وآية الأنعام صريحة في حق الكفار كما تقدم بيانه قال حرب وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي ثنا شعبة عن أبي حدثنا مليح سمع عمر بن ميمون يحدث عن عبد الله بن عمرو قال: "ليأتين على جهنم يوم تصطفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا" حدثنا عبيد الله ثنا أبي ثنا شعبة عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: "أما الذي أقول أنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرأ فأما الذين شقوا ففي النار" الآية قال عبيد الله: "كان أصحابنا يقولون يعني بها