للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلود الكفار فيها وعدم خروجهم منها فإن نفوسهم غير قابلة للخير فإنهم لو خرجوا منها لعادوا كفارا كما كانوا وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} وهذا يدل على غاية عتوهم وإصرارهم وعدم قبول الخير فيهم بوجه من الوجوه فلا تصلح نفوسهم الشريرة الخبيثة إلا للعذاب ولو صلحت لصلحت على طول العذاب فحيث لم يؤثر عذابهم تلك الأحقاب الطويلة في نفوسهم ولم يطيبها علم أنه لا قابلية فيهم للخير أصلا وأن أسباب العذاب لم يطف من نفوسهم فلا يطفى العذاب المترتب عليها وهذه الطريق وإن أنكرت ببادئ الرأي فهي طريق قوية وهي ترجع إلى طريق الحكمة وأن الحكمة التي اقتضت دخولهم هي التي اقتضت خلودهم ولكن هذه الطريق محرم سلوكها على نفاة الحكمة وعلى مثبتيها من المعتزلة والقدرية أما النفاة فظاهر وأما المثبتة فالحكمة عندهم أن عذابهم لمصلحتهم وهذا إنما يصح إذا كان لهم حالتان حالة يعذبون فيها لأجل مصلحتهم وحالة يزول عنهم العذاب لتحصل لهم تلك المصلحة وإلا فكيف تكون مصلحتهم في عذاب لا انقطاع له أبدا وأما من يثبت حكمة راجعة إلى الرب تعالى فيمكنهم سلوك هذه الطريق لكن يقال الحكمة لا تقتضي دوام عذابهم بدوام بقائه سبحانه وهو لم يخبر أنه خلقهم لذلك وإنما يعذبون لغاية محمودة إذا حصلت حصل المقصود من عذابهم وهو سبحانه لا يعذب خلقه سدى وهو قادر على أن ينشئهم بعد العذاب الطويل نشأة أخرى مجردة عن تلك الشرور والخبائث التي كانت في نفوسهم وقد أزالها طول العذاب فإنهم خلقوا قابلين للخير على الفطرة وهذا القبول لازم لخلقتهم وبه أقروا بصانعهم وفاطرهم وإنما طرأ عليه ما أبطل مقتضاه فإذا زال ذلك الطارئ بالعذاب الطويل بقي أصل القبول بلا معارض وأما قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْه} فهذا قبل مثابرتهم للعذاب قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فتلك الخبائث والشرور قائمة بنفوسهم لم تزلها النار فلو ردوا لعادوا لقيام المقتضى للعود ولكن أين أخبر سبحانه أنه لو ردهم بعد العذاب الطويل السرمدي لعادوا لما نهوا عنه وسر المسألة أن الفطرة الأصلية لا بد أن تعمل عملها كما عمل الطارئ عليها عمله وهذه الفطرة عامة لجميع بني آدم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة" وفي لفظ "على هذه الملة" وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حماد المجاشعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه: "قال إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وأنهم أتتهم الشياطين فاحتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا" فأخبر أن الأصل فيهم الحنيفية وأنهم خلقوا عليها وأن صدها عارض فيهم باقتطاع الشياطين لهم عنها فمن الممتنع أن يعمل أثر اقتطاع الشياطين ولا يعمل أثر خلق الرحمن جل جلاله عمله والكل خلقه سبحانه فلا خالق سواه ولكن ذاك خلق يحبه ويرضاه ويضاف أثره إليه وهذا خلق يبغضه ويسخطه ولا يضاف أثره إليه فإن الشر ليس إليه والخير كله في يديه فإن قيل فقد قال سبحانه: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ} وهذا يقتضي أنه لا قابلية فيهم ولا خير عندهم البتة ولو كان عندهم لخرجوا به من النار مع الموحدين فإنه سبحانه يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من خير فعلم أن هؤلاء ليس معهم هذا القدر اليسير من الخير قيل الخير في هذا الحديث هو الإيمان

<<  <   >  >>