للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالله ورسله كما في اللفظ الآخر أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان وهو تصديق رسله والانقياد لهم بالقلب والجوارح وأما الخير في الآية فالمراد به القبول والزكاة ومعرفة قدر النعمة وشكر المنعم عليها فلو علم الله سبحانه ذلك فيهم لأسمعهم إسماعا ينتفعون به فإنهم قد سمعوا سماعا تقوم به عليهم الحجة فتلك القابلية ذهب أثرها وتعطلت بالكفر والجحود وعادت كالشيء المعدوم الذي لا ينتفع به وإنما ظهر أثرها في قيام الحجة عليهم ولم يظهر أثرها في انتفاعهم بما عملوه وتيقنوه فإن قيل فالغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا وقال نوح عن قومه ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي مرفوعا: "إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى فمنهم من يولد مؤمنا ويحيي مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحي كافرا ويموت كافرا" الحديث قيل هذا لا يناقض كونه مولودا على الفطرة فإنه طبع وولد مقدرا كفره إذا عقل وإلا ففي حال ولادته لا يعرف كفرا ولا إيمانا فهي حال مقدرة لا مقارنة للعامل فهو مولود على الفطرة ومولود كافرا باعتبارين صحيحين ثابتين له هذا بالقبول وإيثار الإسلام لو خلى وهذا بالفعل والإرادة إذا عقل فإذا جمعت بين الفطرة السابقة والرحمة السابقة العالية والحكمة البالغة والغنى التام وقرنت بين فطرته ورحمته وحكمته وغناه تبين لك الأمر، الطريق السادس قياس دار العدل على دار الفضل وأن هذه كما أنها أبدية فالأخرى كذلك لأن هذه توجب عدله وعدله ورحمته من لوازم ذاته وهذه الطريق غير نافذة فإن العدل حقه سبحانه لا يجب عليه أن يستوفيه ولا يلحقه بتركه نقص ولا ذم بوجه من الوجوه والفضل وعده الذي وعد به عباده وأحقه على نفسه والفرق بين الدارين من وجوه عديدة شرعا وعقلا، أحدها أن الله سبحانه أخبر بأن نعيم الجنة ماله من نفاد وأن عطاء أهلها غير مجذوذ وأنه غير ممنون ولم يجيء ذلك في عذاب أهل النار، الثاني أنه أخبر بما يدل على انتهاء عذاب أهل النار في عدة آيات كما تقدم ولم يخبر بما يدل على انتهاء نعيم أهل الجنة ولهذا احتاج القائلون بالتأبيد الذي لا انقطاع له إلى تأويل تلك الآيات ولم يجئ في نعيم أهل الجنة ما يحتاجونه إلى تخصيصه بالتأويل، الثالث أن الأحاديث التي جاءت في انتهاء عذاب النار لم يجيء شيء منها في انتهاء نعيم الجنة، الرابع أن الصحابة والتابعين إنما ذكروا انقطاع العذاب ولم يذكر أحد منهم انقطاع النعيم، الخامس أنه قد ثبت أن الله سبحانه يدخل الجنة بلا عمل أصلا بخلاف النار، السادس أنه سبحانه ينشئ في الجنة خلقا ينعمهم فيها ولا ينشئ في النار خلقا يعذبهم بها، السابع أن الجنة من مقتضى رحمته والنار من مقتضى غضبه وأن الذين يدخلون النار أضعاف أضعاف الذين يدخلون الجنة فلو دام عذاب هؤلاء كدوام نعيم هؤلاء لغلب غضبه رحمته فكان الغضب هو الغالب السابق وهذا ممتنع، الثامن أن الجنة دار فضله والنار دار عدله وفضله يغلب عدله، التاسع أن النار دار استيفاء حقه الذي له والجنة دار وفاء حقه الذي أحقه هو على نفسه وهو سبحانه يترك حقه ولا يترك الحق الذي أحقه على نفسه، العاشر أن الجنة هي الغاية التي خلقوا لها في الآخرة وأعمالها هي الغاية التي خلقوا لها في الدنيا بخلاف النار فإنه سبحانه لم يخلق خلقه للكفر به والإشراك وإنما خلقهم لعبادته وليرحمهم، الحادي عشر أن النعيم من موجب أسمائه وصفاته والعذاب إنما هو من أفعاله قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} وقال: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} وقال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

<<  <   >  >>