وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وما كان من مقتضى أسمائه وصفاته فإنه يدوم بدوامه فإن قيل فإن العذاب صادر عن عزته وحكمته وعدله وهذه أسماء حسنى وصفات كمال فيدوم ما صدر عنها بدوامها قيل لعمر الله أن العذاب صدر عن عزة وحكمة وعدل وانتهاؤه عند حصول المقصود منه يصدر عن عزة وحكمة وعدل فلم يخرج العذاب ولا انقطاعه عن عزته وحكمته وعدله ولكن عند انتهائه يكون عزة مقرونة برحمة وحكمة مقرونة بجود وإحسان وعفو وصفح فالعزة والحكمة لم يزالا ولم ينقص بل صدر جميع ما خلقه ويخلقه وأمر به ويأمر به عن عزته وحكمته، الثاني عشر أن العذاب مقصود لغيره لا لنفسه وأما الرحمة والإحسان والنعيم فمقصود لنفسه فالإحسان والنعيم غاية والعذاب والألم وسيلة فكيف يقاس أحدهما بالآخر، الثالث عشر أنه سبحانه أخبر أن رحمته وسعت كل شيء وأن رحمته سبقت غضبه وأنه كتب على نفسه الرحمة فلا بد أن تسع رحمته هؤلاء المعذبين فلو بقوا في العذاب لا إلى غاية لم تسعهم رحمته وهذا ظاهر جدا فإن قيل فقد قال سبحانه عقيبها:{فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} إلى آخر الآية يخرج غيرهم منها لخروجهم من الوصف الذي يستحق به قيل الرحمة المكتوبة لهؤلاء هي غير الرحمة الواسعة لجميع الخلق بل هي رحمة خاصة خصهم بها دون غيرهم وكتبها لهم دون من سواهم وهم أهل الفلاح الذين لا يعذبون بل هم أهل الرحمة والفوز والنعيم وذكر الخاص بعد العام استطرادا وهو كثير في القرآن بل قد يستطرد من الخاص إلى العام كقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} فهذا استطراد من ذكر الأبوين إلى ذكر الذرية ومن استطراد قوله: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} فالتي جعلت رجوما ليست هي التي زينت بها السماء ولكن استطرد من ذكر النوع إلى نوع آخر وأعاد ضمير الثاني على الأول لدخولهما تحت جنس واحد فهكذا قوله: {رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} فالمكتوب للذين يتقون نوع خاص من الرحمة الواسعة والمقصود أن الرحمة لا بد أن تسع أهل النار ولا بد أن تنتهي حيث ينتهي العلم كما قالت الملائكة ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما، الرابع عشر أنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم حديث الشفاعة "قول أولي العزم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله" وهذا صريح في أن ذلك الغضب العظيم لا يدوم ومعلوم أن أهل النار إنما دخلوها بذلك الغضب فلو دام ذلك الغضب لدام عذابهم إذ هو موجب ذلك الغضب فإذا رضي الرب تبارك وتعالى وزال ذلك الغضب زال موجبه وهذا كما أن عقوبات الدنيا العامة وبلاؤها آثار غضبه فإذا استمر غضبه استمر ذلك البلاء فإذا رضي وزال غضبه زال البلاء وخلفته الرحمة، الخامس عشر أن رضاه أحب إليه من غضبه وعفوه أحب إليه من عقوبته ورحمته أحب إليه من عذابه وعطاؤه أحب إليه من منعه وإنما يقع الغضب والعقوبة والمنع بأسباب تناقص موجب تلك الصفات والأسماء وهو سبحانه كما يحب أسماءه وصفاته ويحب آثارها وموجبها كما في الحديث:"أنه وتر يحب الوتر جميل يحب الجمال نظيف يحب النظافة عفو يحب العفو" وهو شكور يحب الشاكرين عليم يحب العالمين جواد يحب أهل الجود حي ستير يحب أهل الحياء والستر صبور يحب الصابرين رحيم يحب الرحماء فهو