يكره ما يضاد ذلك وكذلك كره الكفر والعصيان والفسوق والظلم والجهل لمضادة هذه الأوصاف لأوصاف كماله الموافقة لأسمائه وصفاته ولكن يريده سبحانه لاستلزامه ما يحبه ويرضاه فهو مراد له إرادة اللوازم المقصودة لغيرها إذ هي معصية إلى ما يحب فإذا حصل بها ما يحبه وأدت إلى الغاية المقصودة له سبحانه لم تبق مقصودة لا لنفسها ولا لغيرها فتزول ويخلفها أضدادها التي هي أحب إليه سبحانه منها وهي موجب أسمائه وصفاته فإن فهمت سر هذا الوجه وإلا فجاوزه إلى ما قبله ولا تعجل بإنكاره هذا وسر المسألة أنه سبحانه حكيم رحيم إنما يخلق بحكمة ورحمة فإذا عذب من يعذب لحكمة كان هذا جاريا على مقتضاها كما يوجد في الدنيا من العقوبات الشرعية والقدرية من التهذيب والتأديب والزجر والرحمة واللطف ما يزكي النفوس ويطيبها ويمحصها ويخلصها من شرها وخبثها والنفوس الشريرة الظالمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهت عنه لا يصلح أن تسكن دار السلام التي تنافي الكذب والشر والظلم فإذا عذبت هذه النفوس بالنار عذابا يخلصها من ذلك الشر ويخرج خبثها كان هذا معقولا في الحكمة كما يوجد في عذاب الدنيا وخلق من فيه شر يزول بالتعذيب من تمام الحكمة أما خلق نفوس شريرة لا يزول شرها البتة وإنما خلقت للشر المحض وللعذاب السرمد الدائم بدوام خالقها سبحانه فهذا لا يظهر موافقته للحكمة والرحمة وإن دخل تحت القدرة فدخوله تحت الحكمة والرحمة ليست بالبين فهذا ما وصل إليه النظر في هذه المسألة التي تكع فيها عقول العقلاء وكنت سألت عنها شيخ الإسلام قدس الله روحه فقال لي هذه المسألة عظيمة كبيرة ولم يجب فيها بشيء فمضى على ذلك زمن حتى رأيت في تفسير عبد بن حميد الكثي بعض تلك الآثار التي ذكرت فأرسلت إليه الكتاب وهو في مجلسه الأخير وعلمت على ذلك الموضع وقلت للرسول قل له هذا الموضع يشكل عليه ولا يدري ما هو فكتب فيها مصنفه المشهور رحمة الله عليه فمن كان عنده فضل علم فليحدثه فإن فوق كل ذي علم عليم وأنا في هذه المسألة على قول أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه ذكر دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ووصف ذلك أحسن صفة ثم قال "ويفعل الله بعد ذلك في خلقه ما يشاء" وعلى مذهب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث يقول: "لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا" وذكر ذلك في تفسير قوله: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} وعلى مذهب أبي سعيد الخدري حيث يقول: "انتهى القرآن كله إلى هذه الآية: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} " وعلى مذهب قتادة حيث يقول: "في قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} الله أعلم بتبينه على ما وقعت" وعلى مذهب ابن زيد حيث يقول: "أخبرنا الله بالذي يشاء لأهل الجنة" فقال عطاء: "غير مجذوذ ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار" والقول بأن النار وعذابها دائم بدوام الله خبر عن الله بما يفعله فإن لم يكن مطابقا لخبره عن نفسه بذلك وإلا كان قولا عليه بغير علم والنصوص لا تفهم ذلك والله أعلم.
فصل: وها هنا مذاهب أخرى باطله منها قول من قال أنهم يعذبون في النار مدة لبثهم في الدنيا وقول من قال تنقلب عليهم طبيعة نارية يلتذون بها كما يلتذ صاحب الجرب بالحك وقول من يقول أنها تفنى هي والجنة جميعا ويعودان عدما وقول من يقول تفنى حركاتها وتبقى أهلها في سكون دائم ولم يوفق للصواب في هذا الباب غير الصحابة ومن سلك سبيلهم