بآراء الرجال وسموا ذلك عدلا وتوحيدا بالزور والبهتان وتلك التسمية ما أنزل الله بها من سلطان فالعدل قيامه بالقسط في أفعاله والتوحيد وإثبات صفات كماله شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام فهذا العدل والتوحيد الذي جاء به المرسلون وذلك التوحيد والعدل الذي جاء به المعطلون، والمقصود أن هذه المناظرة وإن أبطلت قول هؤلاء وزلزلت قواعدهم فإنها لا تبطل حكمة الله التي اختص بها دون خلقه وطوى بساط الإحاطة بها عنهم ولم يطلعهم منها إلا على ما نسبته إلى ما خفي عنهم كقطرة من بحار الدنيا فكم لله سبحانه من حكمة في ذلك الذي أخرمه صغيرا وحكمة في الذي مد له في العمر حتى بلغ وأسلم وحكمة في الذي أبقاه حتى بلغ وكفر ولو كان كل من علم أنه إذا بلغ يكفر يخترمه صغيرا لتعطل الجهاد والعبودية التي يحبها الله ويرضاها ولم يكن هناك معارض وكان الناس أمة واحدة ولم تظهر آياته وعجائبه في الأمم ووقائعه وأيامه في أعدائه وإقامة الحجج وجدال أهل الباطل بما يدحض شبهتهم وينصر الحق ويظهره على الباطل إلى أضعاف أضعاف ذلك من الحكم التي لا يحصيها إلا الله والله سبحانه يحب ظهور أسمائه وصفاته في الخليقة فلو اخترم كل من علم أنه يكفر إذا بلغ لفات ذلك وفواته مناف لكمال تلك الأسماء والصفات واقتضائها لآثارها وقد تقدم بسط ذلك أتم من هذا، الوجه الأربعون قوله أنه سبحانه رد الأمر إلى محض مشيئة بقوله:{يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} وقوله: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} وقوله: {فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} وقوله: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} فهذا كله حق ولكن أين فيه إبطال حكمته وحمده والغايات المحمودة المطلوبة بفعله وأنه لا يفعل شيئا لشيء ولا يأمر بشيء لأجل شيء ولا سبب لفعله ولا غاية أفترى أصحاب الحكمة والتعليل يقولون أنه لا يفعل بمشيئته أو أنه يسئل عما يفعل بل يقولون أنه يفعل بمشيئته مقارنا للحكمة والمصلحة ووضع الأشياء مواضعها وأنه يفعل ما يشاء بأسباب وحكم ولغايات مطلوبة وعواقب حميدة فهم مثبتون لملكه وحده وغيرهم يثبت ملكا بلا حمد أو نوعا من الحمد ومع هضم الملك إذ الرب تعالى له كمال وكمال الحمد فكونه يفعل ما يشاء يمنع من أن يشاء بأسباب وحكم وغايات وأنه لا يشاء إلا ذلك وأما قوله: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} فهذا لكمال علمه وحكمته لا لعدم ذلك وأيضا فسياق الآية في معنى آخر وهو إبطال إلهية من سواه وإثبات الألوهية له وحده فإنه سبحانه قال: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} فأين في هذا ما يدل على إبطال التعليل بوجه من الوجوه ولكن أهل الباطل يتعلقون بألفاظ نزلوها على باطلهم لا تنزل عليه وبمعان متشابهة يشتبه فيها الحق بالباطل فعمدتهم المتشابه من الألفاظ والمعاني فإذا فصلت وبينت يتبين أنها لا دلالة فيها وأنها مع ذلك قد تدل على نقيض مطلوبهم وبالله التوفيق.