ومدار التكليف على الإسلام والإيمان والإحسان وهي ترجع إلى شكر المنعم كلها دقيقها وجليلها منه وتعظيمه وإجلاله ومعاملته بما يليق أن يعامل به فتذكر آلاؤه وتشكر فلا يكفر ويطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى هذا مع تضمن التكليف لإيصاف العبد بكل خلق جميل وإثباته بكل فعل جميل وقول سديد واجتنابه لكل خلق سيئ وترك كل فعل قبيح وقول زور فتكليفه متضمن لمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال وصدق القول والإحسان إلى الخليقة وتكميل نفسه بأنواع الكمالات وهجر أضداد ذلك والتنزه عنها مع تعريضه بذلك التكليف للثواب الجزيل الدائم ومجاورة ربه في دار البقاء فأي الأمرين أليق بالحكمة هذا أو إرساله هملا كالخيل والبغال والحمير يأكل ويشرب وينكح كالبهائم أيقتضي كماله المقدس ذلك فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم وكيف يليق بذلك الكمال طي بساط الأمر والنهي والثواب والعقاب وترك إرسال الرسل وإنزال الكتب وشرع الشرائع وتقرير الأحكام وهل عرف الله من جوز عليه خلاف ذلك وهل ذلك إلا من سوء الظن به قال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} فحسن التكليف في العقول كحسن الإحسان والإنعام والتفضل والطول بل هو من أبلغ أنواع الإحسان والإنعام ولهذا سمى سبحانه ذلك نعمة ومنة وفضلا ورحمة وأخبر أن الفرح به خير من الفرح بالنعم المشتركة بين الأبرار والفجار قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً} فنعمة الله هاهنا نعمته بمحمد صلى الله عليه وسلم وما بعثه به من الهدى ودين الحق وقال: {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} وقال: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} وقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ} وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وقال لرسوله: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} وهل النعمة والفضل في الحقيقة إلا ذلك وتوابعه وثمرته في القلوب والأبدان في الدنيا والآخرة وهل في العقول السليمة والفطرة المستقيمة أحسن من ذلك وأليق بكمال الرب وأسمائه وصفاته، الوجه التاسع والثلاثون قوله في مناظرة الأشعري للجبائي في الإخوة الثلاثة الذين مات أحدهم صغيرا وبلغ الآخر كافرا والثالث مسلما أنها مناظرة كافية في إبطال الحكمة والتعليل ورعاية الأصلح، فلعمر الله أنها مبطلة لطريقة أهل البدع من المعتزلة والقدرية الذين يوجبون على ربهم مراعاة الأصلح لكل عبد وهو الأصلح عندهم فيشرعون له شريعة بعقولهم ويحجرون عليه ويحرمون عليه أن يخرج عنها ويوجبون عليه القيام بها وكذلك كانوا من أحمق الناس وأعظمهم تشبيها للخالق بالمخلوق في أفعاله وأعظمهم تعطيلا عن صفات كماله فنزهوه عن صفات الكمال وشبهوه بخلقه في الأفعال وأدخلوه تحت الشريعة الموضوعة