أن العدل إخراج أفعال الملائكة والجن والإنس عن قدرته وخلقه وأخطأ الطائفتان جميعا في ذلك والصواب أن العدل وضع الأشياء في مواضعها التي تليق بها وإنزالها منازلها كما أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه وقد تسمى سبحانه بالحكم العدل والقدرية تنكر حقيقة اسم الحكم وترده إلى الحكم الشرعي الديني وتزعم أنها تثبت حقيقة العدل والعدل عندهم إنكار القدر ومع هذا فينسبونه إلى غاية الظلم فإنهم يقولون أنه يخلد في العذاب الأليم من أفنى عمره في طاعته ثم فعل كبيرة ومات عليها فإن قيل فالقضاء بالجزاء عدل إذ هو عقوبة على الذنب فيكون القضاء بالذنب عدلا على أصول أهل السنة وهذا السؤال لا يلزم القدرية ولا الجبرية أما القدرية فعندهم أنه لم يقض المعصية وأما الجبرية فعندهم أن كل مقدور عدل وإنما يلزمكم أنتم هذا السؤال قيل نعم كل قضائه عدل في عبده فإنه وضع له في موضعه الذي لا يحسن في غيره فإنه وضع العقوبة ووضع القضاء بسببها وموجبها في موضعه فإنه سبحانه كما يجازي بالعقوبة فإنه يعاقب بنفس قضاء الذنب فيكون حكمه بالذنب عقوبة على ذنب سابق فإن الذنوب تكسب بعضها بعضا وذلك الذنب السابق عقوبة على غفلته عن ربه وإعراضه عنه وتلك الغفلة والإعراض هي في أصل الجبلة والنشأة فمن أراد أن يكلمه أقبل بقلبه إليه وجذبه إليه وألهمه رشده وألقى فيه أسباب الخير ومن لم يرد أن يكمله تركه وطبعه وخلى بينه وبين نفسه لأنه لا يصلح للتكميل وليس محله أهلا ولا قابلا لما وضع فيه من الخير وها هنا انتهى علم العباد بالقدر وأما كونه تعالى جعل هذا يصلح وأعطاه ما يصلح له وهذا لا يصلح فمنعه مالا يصلح له فذاك موجب ربوبيته وإلهيته وعلمه وحكمته فإنه سبحانه خالق الأشياء وأضدادها وهذا مقتضى كماله وظهور أسمائه وصفاته كما تقدم تقريره والمقصود أنه أعدل العادلين في قضائه بالسبب وقضائه بالمسبب فما قضى في عبده بقضاء إلا وهو واقع في محله الذي لا يليق به غيره إذ هو الحكم العدل الغني الحميد.
فصل: وقوله أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك إن كانت الرواية محفوظة هكذا ففيها إشكال فإنه جعل ما أنزله في كتابه أو علمه أحدا من خلقه أم استأثر به في علم الغيب عنده قسيما لما سمى به نفسه ومعلوم أن هذا تقسيم وتفصيل لما سمى به نفسه فوجه الكلام أن يقال سميت به نفسك فأنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك فإن هذه الأقسام الثلاثة تفصيل لما سمى به نفسه وجواب هذا الإشكال أن أو حرف عطف والمعطوف بها أخص مما قبله فيكون من باب عطف الخاص على العام فإن ما سمى به نفسه يتناول جميع الأنواع المذكورة بعده فيكون عطف كل جملة منها من باب عطف الخاص على العام فإن قيل المعهود من عطف الخاص على العام أن يكون بالواو دون سائر حروف العطف قيل المسوغ لذلك في الواو وهو تخصيص المعطوف بالذكر لمرتبته من بين الجنس واختصاصه بخاصة غيره منه حتى كأنه غيره أو إرادتين لذكره مرتين باسمه الخاص وباللفظ العام وهذا لا فرق فيه بين العطف بالواو أو بأو مع أن في العطف بأو على العام فائدة أخرى وهي بناء الكلام على التقسيم والتنويع كما بنى عليه تاما فيقال سميت به نفسك فإما أنزلته في كتابك وإما علمته أحدا من خلقك وقد دل الحديث على أن أسماء الله غير مخلوقة بل