للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال الفطرة الأولى التي فطر الناس عليها فقال له الميموني الفطرة الدين قال نعم قال القاضي وأراد أحمد بالدين المعرفة التي ذكرناها" قال والرواية الثانية: "الفطرة هنا ابتداء خلقه في بطن أمه لأن حمله على العهد الذي أخذه عليهم وهو الإقرار بمعرفته حمل للفطرة على الإسلام لأن الإقرار بالمعرفة إقرار بالإيمان والمؤمن مسلم ولو كانت الفطرة الإسلام لوجب إذا ولد بين أبوين كافرين أن لا يرثانه ولا يرثهما قال ولأن ذلك يمنع أن يكون الكفر خلقا لله وأصول أهل السنة بخلافه قال وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية على بن سعيد وقد سأله عن قوله كل مولود يولد على الفطرة فقال على الشقاوة والسعادة ولذلك نقل محمد بن يحيى الكحال أنه سأله فقال هي التي فطر الناس عليها شقي أو سعيد وكذلك نقل جبيل عنه قال الفطرة التي فطر الله عليها العباد من الشقاوة والسعادة قال وهذا كله يدل من كلامه على أن المراد بالفطرة ها هنا ابتداء خلقه في بطن أمه" قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية أحمد: "لم يذكر العهد الأول وإنما قال الفطرة الأولى التي فطر الناس عليها وهي الدين وقال في غير موضع أن الكافر إذا مات أبواه أو أحدهما حكم بإسلامه واستدل بهذا الحديث فدل على أنه فسر الحديث بأنه يولد على فطرة الإسلام كما جاء ذلك مصرحا به في الحديث ولو لم تكن الفطرة عنده الإسلام لما صح استدلاله بالحديث" وقوله في موضع آخر: "يولد على ما فطر عليه من شقاوة وسعادة لا ينافي ذلك فإن الله سبحانه قدر السعادة والشقاوة وكتبهما وقدر أنها تكون بالأسباب التي تحصل بها كفعل الأبوين فتهويد الأبوين وتنصيرهما وتمجيسهما هو مما قدره الله أنه يفعل بالمولود والمولود ولد على الفطرة سليما وولد على أن هذه الفطرة السليمة يغيرها الأبوان كما قدر سبحانه ذلك وكتبه كما مثل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله كما ينتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء فبين أن البهيمة تولد سليمة ثم يجدعها الإنسان وذلك بقضاء الله وقدره فكذلك المولود يولد على الفطرة سليما ثم يفسده أبواه وذلك أيضا بقضاء الله وقدره وإنما قال أحمد وغيره من الأئمة على ما فطر عليه من شقاوة أو سعادة لأن القدرية يحتجون بهذا الحديث على أن الكفر والمعاصي ليس بقضاء الله وقدره بل مما ابتدأ الناس إحداثه ولهذا قالوا لمالك بن أنس أن القدرية يحتجون علينا بأول الحديث فقال احتجوا عليهم بآخره وهو قول الله أعلم بما كانوا عاملين فبين الإمام أحمد وغيره أنه لا حجة فيه للقدرية فإنهم لا يقولون أن نفس الأبوين خلقا تهويده وتنصيره بل هو تهود وتنصر باختياره ولكن كانا سببا في حصول ذلك بالتعليم والتلقين فإذا أضيف إليهما هذا الاعتبار فلأن يضاف إلى الله الذي هو خالق كل شيء بطريق الأولى لأنه سبحانه وإن كان خلقه مولودا على الفطرة سليما فقد قدر عليه ما سيكون بعد ذلك من تغييره وعلم ذلك كما في الحديث الصحيح "أن الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا ولو بلغ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا" فقوله طبع يوم طبع أي قدر وقضى في الكتاب أنه يكفر لا أن كفره كان موجودا قبل أن يولد ولا في حال ولادته فإنه مولود على الفطرة السليمة وعلى أنه بعد ذلك يتغير ويكفر من ظن أن الطبع على قلبه وهو الطبع المذكور على قلب الكفار فهو غالط فإن ذلك لا يقال فيه طبع يوم طبع إذ كان الطبع على قلبه إنما يوجد بعد كفره وقد ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حماد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: "خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا" وهذا

<<  <   >  >>