للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدين الإسلام" ثم روى عن يزيد بن أبي مريم قال عمر لمعاذ بن جبل فقال ما قوام هذه الأمة قال معاذ ثلاث وهن المنجيات الإخلاص وهو الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها والصلاة وهي الملة والطاعة وهي العصمة فقال عمر صدقت وقوله لا تبديل لخلق الله يقول لا تغيير لدين الله أي لا يصلح ذلك ولا ينبغي أن يفعل قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: "لا تبديل لخلق الله أي لدين الله" ثم ذكر أن مجاهدا أرسل إلى عكرمة يسأله عن قوله لا تبديل لخلق الله قال: "هو الخصا" فقال مجاهد: "أخطأ لا تبديل لخلق الله إنما هو الدين" ثم قال: "لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم" وروى عن عكرمة: "لا تبديل الخلق الله قال لدين الله" هو قول سعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم النخعي وابن زيد وعن ابن عباس وعكرمة ومجاهد: "هو الخصا" ولا منافاة بين القولين كما قال تعالى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} فتغيير ما فطر الله عباده من الدين تغيير لخلقه والخصا وقطع آذان الأنعام تغيير لخلقه أيضا ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما بالآخر فأولئك يغيرون الشريعة وهؤلاء يغيرون الخلقة فذلك يغير ما خلقت عليه نفسه وروحه وهذا يغير ما خلق عليه بدنه.

فصل: ولما صار القدرية يحتجون بهذا الحديث على قولهم صار الناس يتأولونه على تأويلات يخرجونه بها عن مقتضاه فقالت القدرية كل مولود يولد على الإسلام والله سبحانه لا يضل أحدا وإنما أبواه يضلانه قال لهم أهل السنة أنتم لا تقولون بأول الحديث ولا بآخره أما أوله فإنه لم يولد أحد عندكم على الإسلام أصلا ولا جعل الله أحدا مسلما ولا كافرا عندكم وهذا أحدث لنفسه الكفر وهذا أحدث لنفسه الإسلام والله لم يخلق واحدا منهما ولكن دعاهما إلى الإسلام وأزاح عللهما وأعطاهما قدرة مماثلة فهما يصلح للضدين ولم يخص المؤمن بسبب يقتضي حصول الإيمان فإن ذلك عندكم غير مقدور له ولو كان مقدورا لكان منع الكافر منه ظلما هذا قول عامة القدرية وإن كان أبو الحسين يقول أنه خص المؤمن بداعي الإيمان ويقول عند الداعي والقدرة يجب وجود الإيمان وهذا في الحقيقة موافق لقول أهل السنة قالوا فأنتم قلتم إن معرفة الله لا تحصل إلا بالنظر المشروط بالعقل ويستحيل أن تكون المعرفة عندكم ضرورة أو تكون من فعل الله وأما كونكم لا تقولون بآخره فهو أنه ينسب فيه التهويد والتنصير إلى الأبوين وعندكم أن المولود هو الذي أحدث لنفسه التهويد والتنصير دون الأبوين والأبوان لا قدرة لهما على ذلك البتة وأيضا فقوله الله أعلم بما كانوا عاملين دليل على أن الله يعلم ما يصيرون إليه بعد ولادتهم على الفطرة هل يبقون عليها فيكونون مؤمنين أو يغيرون فيصيرون كفارا فهو دليل على تقدم العلم الذي ينكره غلاة القدرية واتفق السلف على تكفيرهم بإنكاره فالذي استدللتم به من الحديث على قولكم الباطل وهو قوله فأبواه يهودانه وينصرانه لا حجة لكم بل هو حجة عليكم فغير الله لا يقدر على جعل الهدى أو الضلال في قلب أحد بل المراد بالحديث دعوة الأبوين إلى ذلك وتربيتهما له وتربيتهما على ذلك مما يفعله المعلم والمربي وخص الأبوين بالذكر على الغالب أنه جعل أبوان وإلا فقد يقع من أحدهما أو من غيرهما.

فصل: قال أبو عمر بن عبد البر اختلف العلماء في الفطرة المذكورة في هذا الحديث اختلافا كثيرا وكذلك اختلفوا في الأطفال وحكمهم في الدنيا والآخرة فسئل عنه ابن المبارك فقال: "تفسيره آخر

<<  <   >  >>