للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم قال: "للناس يوما ألا أحدثكم بما حدثني الله في الكتاب أن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين وأعطاهم المال حلالا لا حرام فيها فجعلوا ما أعطاهم الله حراما وحلالا" الحديث قال وكذلك روى بكر بن مهاجر عن ثور بن يزيد بإسناده مثله في هذا الحديث حنفاء مسلمين قال أبو عمر روى هذا الحديث قتادة عن مطرف بن عبد الله عن عياض ولم يسمعه قتادة من مطرف ولكن قال حدثني ثلاثة عقبة بن عبد الغافر ويزيد بن عبد الله بن الشخير والعلاء بن زياد كلهم يقول حدثني مطرف عن عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه: "وأنى خلقت عبادي حنفاء كلهم" لم يقل مسلمين وكذلك رواه الحسن عن مطرف ورواه ابن إسحاق عمن لا يتهم عن قتادة بإسناده قال فيه: "وأنى خلقت عبادي حنفاء كلهم" ولم يقل مسلمين قال فدل هذا على حفظ محمد بن إسحاق وإتقانه وضبطه لأنه ذكر مسلمين في روايته عن ثور بن يزيد لهذا الحديث وأسقطه من رواية قتادة وقصر فيه عن قوله مسلمين وزاده ثور بإسناده فالله أعلم قال والحنيف في كلام العرب المستقيم المخلص ولا استقامة أكثر من الإسلام قال وقد روي عن الحسن الحنيفية: "حج البيت" وهذا يدل أنه أراد الإسلام وكذلك روى عن الضحاك والسدي قال: "حنفاء حجاجا" وعن مجاهد: "حنفاء متبعين" قال وهذا كله يدل على أن الحنيفية الإسلام قال وقال أكثر العلماء الحنيف المخلص وقال الله عز وجل: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً} وقال تعالى: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} وقال: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} وقال الشاعر وهو الراعي:

أخليفة الرحمن إنا معشر ... حنفاء نسجد بكرة وأصيلا

عرب نرى لله في أموالنا ... حق الزكاة منزلا تنزيلا

قال فهذا وصف الحنيفية بالإسلام وهو أمر واضح لا خفاء به قال ومما احتج به من ذهب في هذا الحديث إلى أن الفطرة في هذا الحديث الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس من الفطرة" ويروى "عشر من الفطرة" قال شيخنا: "والدلائل على ذلك كثيرة ولو لم يكن المراد بالفطرة الإسلام لما سألوا عقيب ذلك أرأيت من يموت من أطفال المشركين لأنه لم يكن هناك ما يغير تلك الفطرة لما سألوه والعلم القديم وما يجرى مجراه لا يتغير" وقوله فأبواه يهودانه بين فيه أنهم يغيرون الفطرة التي فطر عليها وأيضا فإنه شبه ذلك بالبهيمة التي تولد مجتمعة الخلق لا نقص فيها ثم تجدع بعد ذلك فعلم أن التغير وأرد على الفطرة السليمة التي ولد العبد عليها وأيضا فان الحديث مطابق للقرآن كقوله: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} وهذا يعم جميع الناس فعلم أن الله سبحانه فطر الناس كلهم على فطرته المذكورة وأيضا فإنه أضاف الفطرة إليه إضافة مدح لا إضافة ذم فعلم أنها فطرة محمودة لا مذمومة كدين الله وبيته وناقته وأيضا فإنه قال فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها وأيضا فإن هذا تفسير السلف قال ابن جرير: "يقول فسدد وجهك نحو الوجه الذي وجهك الله يا محمد بطاعته وهي الدين حنيفا" يقول مستقيما لدينه وطاعته فطرة الله يقول صنعة الله خلق الناس عليها ونصب فطرة على المصدر معنى قوله فأقم وجهك للدين حنيفا لأن المعنى فطر الله الناس على ذلك فطرة قال وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ثم روى عن ابن زيد قال: "فطرة الله التي فطر الناس عليها قال الإسلام منذ خلقهم الله من آدم جميعا يقرون بذلك" وعن مجاهد: "فطرة الله قال

<<  <   >  >>