للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(الثالث) أن الثابت بحديث الصخرة إنما هو توسل شخص بأعمال نفسه، لا بأعمال غيره، فلا يتم التقريب، بل التوسل بأعمال الغير مما يستنكف عنه العقل السليم، ولا يدل عليه دليل من الكتاب والسنة.

فإن قلت: قد ورد في حديث جابر في باب دعاء الأذان من طريق محمد بن عون "اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة" فهذا القول من غير المؤذن توسل بعمل الغير، قلت: جوابه من وجهين: (الأول) ما تقدم من الكلام في محمد بن عون فلا يصلح لأن يستدل به على شيء من مسائل الدين. (والثاني) أن المراد بهذه الدعوة التامة نوع الأذان لا أذان مؤذن مخصوص، كما أن المراد مطلق الصلاة لا صلاة مصل معين، فغاية ما يثبت منه التوسل بمطلق الأعمال الصالحة، من غير إضافتها إلى أشخاص معينين، وهو بمعزل عن المطلوب.

(الرابع) أنه لو سلم أن مراد القائل: اللهم إني أتوسل إليك بأبي بكر رضي الله عنه مثلاً هو التوسل بأعمال أبي بكر رضي الله عنه لا التوسل بذاته، فاللفظ محتمل للتوسل بالذات أيضاً، وهذا مما لا شك فيه، وقد نهانا الله تعالى عن استعمال لفظ موهم لأمر غير جائز فقال في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . قال الإمام العلامة أبو الطيب صديق بن حسن القنوجي دام فيضه في تفسيره (فتح البيان) : وفي ذلك دليل على أنه ينبغي تجنب الألفاظ المحتملة للسب والنقص، وإن لم يقصد المتكلم بها هذا المعنى المفيد للشتم، سداً للذريعة، وقطعاً لمادة المفسدة والتطرق إليه. اهـ.

وكذلك ما قال والد صاحب (جلاء العينين) مجوزاً قول القائل: اللهم إني أسألك بحق النبي صلى الله عليه وسلم وجاهه، من أن المراد من الحق والجاه معنى يرجع إلى صفة من صفات الله تعالى، مثل أن يراد المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته محل نظر، فإن إرجاع لفظ الحق والجاه إلى صفة من صفاته تعالى لا يخلو من تعسف، ولو سلم فاللفظ محتمل للتوسل بالذات أيضاً، واستعمال الألفاظ المحتملة للأمر غير الجائز منهي عنه بدليل الآية المتقدمة، وكذلك ما قيل إنه إذا جاز التوسل

<<  <   >  >>