ولا أظنك شاكاً في أن مفهوم الرب ومفهوم الإله متغايران، وإن كان مصداقهما في نفس الأمر وفي اعتقاد المسلمين المخلصين واحداً، وذلك يقتضي تغاير مفهومي التوحيدين، فيمكن أن يعتقد أحد من الضالين توحيد الرب ولا يعتقد توحيد الإله، وأن يشرك واحداً من المبطلين في الألوهية ولا يشرك في الربوبية، وإن كان هذا باطلاً في نفس الأمر، ألا ترى أن مصداق الرازق ومالك السمع والأبصار، والمحيي والمميت، ومدبر الأمر، ورب السموات السبع ورب العرش الكريم، ومن بيده ملكوت كل شيء، والخالق ومسخر الشمس والقمر ومنزل الماء من السماء – ومصداق الإله واحد؟ ومع ذلك كان مشركو العرب يقرون بتوحيد الرازق ومالك السمع والأبصار وغيرهما، ويشركون في الألوهية والعبادة، والدليل عليه ما قال تعالى في سورة يونس:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ. فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} وقوله تعالى في سورة المؤمنين: {قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ. قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ