وبيان ذلك: أن هذه في آخر قصة آدم وإبليس، وفيها من العبر والفوائد العظيمة لذريتهما ما يجل عن الوصف، فمن ذلك: أن الله أمر إبليس بالسجود لآدم، ولو فعل لكان فيه طاعة لربه وشرف له، ولكن سولت له نفسه أن ذلك نقص في حقه إذا خضع لواحد دونه في السن ودونه في الأصل على زعمه، فلم يطع الأمر، واحتج على فضله بحجة وهي: أن الله خلقه من أصل خير من أصل آدم، ولا ينبغي أن الشريف يخضع لمن دونه، بل العكس فعارض النص الصريح بفعل الله الذي هو الخلق، فكان في هذا عبرة عظيمة لمن رد شيئا من أمر الله ورسوله، واحتج بما لا يجدي. فلما فعل لم يعذره الله بهذا التأويل، بل طرده ورفع آدم، وأسكنه الجنة. فكان مع عدو الله من الذكاء والفطنة ودقة المعرفة ما يجل عن الوصف، فتحيل على آدم حتى ترك شيئا من أمر الله، وذلك بالأكل من الشجرة، واحتج لآدم بحجج. فلما أكل لم يعذره الله بتلك الحجج، بل أهبطه إلى الأرض، وأجلاه من وطنه، ثم قال:{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} ١ يقول تعالى: لأجلينكم عن وطنكم، فإن بعد هذا كلام وهو أني أرسل إليكم هدى من عندي لا أكلكم إلى رأيكم ولا رأي علمائكم، بل أنزل عليكم العلم الواضح الذي يبين الحق