قال الشيخ ابن سعدي- رحمه الله- في القول السديد الذي علق به على كتاب التوحيد تحت هذه الترجمة باب قول الله تعالى:{أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} - هذا شروع في براهين التوحيد وأدلته فالتوحيد له من البراهين النقلية والعقلية ما ليس لغيره، فتقدم أن التوحيدين توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات من أكبر براهينه وأضخمها، فالمتفرد بالخلق والتدبير، والمتوحد في الكمال المطلق من جميع الوجوه هو الذي لا يستحق العبادة سواه.
وكذلك من براهين التوحيد معرفة أوصاف المخلوقين ومن عبد مع الله فان جميع ما يعبد من دون الله من ملك وبشر ومن شجر وحجر وغيرها كلهم فقراء إلى الله عاجزون ليس بيدهم من النفع مثقال ذرة، ولا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون ضراً ولا نفعاً ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، والله تعالى هو الخالق لكل مخلوق وهو الرازق لكل مرزوق المدبر للأمور كلها الضار النافع المعطى المانع الذي بيده ملكوت كل شىء وإليه يرجع كل شىء وله يقصد ويصمد ويخضع كل شىء. فأي برهان أعظم من هذا البرهان الذي أعاده الله وأبداه في مواضع كثيرة من كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو دليل عقلي فطري كما أنه دليل سمعي نقلي على وجوب توحيد الله وأنه الحق وعلى بطلان الشرك.
وإذا كان أشرف الخلق على الإِطلاق لا يملك نفع أقرب الخلق إليه وأمسهم به رحما فكيف بغيره؟ فتباً لمن أشرك بالله وساوى به أحدا من