وهذا العراقي يزعم أنه يقول إن الشرك أو الكفر إنما يكون محرماً إذا لم يكن له حسنات تمحوه ولا شفع له شفيع، ولا كان جاهلاً. فبعد انتفاء هذه الشروط المتقدمة يحكم عليه بالشرك الأصغر.
فكلام الشيخ وبحثه في ارتفاع العقاب في الآخرة فيما دون الشرك الأكبر بأحد هذه الأسباب. والعراقي فهم انتفاء الاسم والحقيقة وأنه لا يكون ذنباً.
فاعرف ما في كلام العراقي من الزلل.
ويلزم على هذا أن تنتفي الأحكام المترتبة على الذنوب في الدنيا من الأسماء والعقوبات والحدود، لأن ذلك عنده ليس بذنب ولا يسمى شركاً محرماً إلاّ إذا عوقب في الدّار الآخرة عليه. فبطل كلام الفقهاء في الفساق وأهل الذنوب. وما ذكروه في أبواب العبادات والولايات والحدود والعقود والأنكحة، فقف هنا تر العجب العجاب من جهل هؤلاء الضلال.
وقول الشيخ: ولم يكن مجتهدا ولا مقلداً؛ ولا عرضت له شبهات يعذره الله فيها ولا متأولاً: سيأتيك جوابه في أول نقوله في هذه الرسالة. وقد تقدم بعض ذلك، ويأتي له مزيد، ولكن ينبغي أن يعلم أنّ كلام الشيخ في مسائل مخصوصة، وأن المراد انتفاء العقاب في الدار الآخرة، وأما الأحكام الدنيوية فيجري على المتأول والمقلد ومن عرضت له شبهات يعذره الله تعالى فيها ما أجراه الشارع من الأحكام الدنيوية، يعذر تارة وتارة لا يقال بعذره، وتجري عليه الأحكام، وقد ذكر هذا العلماء مفصلاً في أبوابه.
ومن عجيب أمر هذا العراقي: أنه فهم من قول الشيخ: إنّ العقاب في الآخرة قد يرتفع عن المسلم بأحد الأسباب العشرة: أنه يتناول أهل الشرك وعباد القبور والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}[النساء: من الآية٤٨] ويقول: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}[المائدة: من الآية٧٢] وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر: من الآية٦٥] فكيف يظن بالشيخ أو من دونه أن يقول بانتفاء العقاب عمن حكم الله بخلوده في النار، وحبوط أعماله.