قلت: والكذب محرم بالإجماع، ولا يعرف عن الشارع صلى الله عليه وسلّم إطلاق الشرك والكفر على مكروه من المكروهات، ومن أطلق الكراهة من الأئمة فالأولى حمل كلامه على كراهة التحريم، إحساناً للظن بالعلماء، وليت هؤلاء القبوريين اقتصروا على ما فيه الخلاف، بل قد تقدم لك أنهم أتوا من الشركيات ما لم تأت به جاهلية العرب.
وأما ما ذكره في النقل السابع والأربعين فالجواب عنه من وجوه:
الأول: أن الواجب في مسألة النزاع ردها إلى الكتاب والسنة، ولا حجة في قول آحاد العلماء. ولا يصح نسبة هذا القول إلى المذهب، كما يعرفه من عرف قواعد المذهب في لزوم السنة وسد الذرائع.
الثاني: أن التوسل في عرف أهل العلم ليس هو التوسل في عرف العراقي وشيعته من عباد القبور، بل التوسل عندهم يطلق على المتابعة والاقتداء، ويطلق على سؤال الله بحق الأنبياء والصالحين. وليس النزاع في هذا كله، وإنما النزاع في اتخاذ الأنداد والآلهة، والتوسل بدعائهم والاستغاثة بهم والطواف بقبورهم.
الثالث: أن عمر بن الخطاب استسقى بالعباس، وتوسل بدعائه في الاستسقاء، ولم يأت القبر الشريف، ولم يتوسل به، لعلمهم بالسنة وأحكام الشريعة. وتوسل معاوية بيزيد بن الأسود، وهكذا أئمة الدين في كل عصر ومصر، يتوسلون بدعاء الصالحين والأخيار بالاستسقاء وغيره، ولم يقل أحد منهم إنه استسقى عند القبور ويتوسل بها عند الحوادث، هذا لا يقوله من شم رائحة الشريعة، وسلم من سوء المعتقد وخبث السريرة.
الرابع: أن الاحتجاج بقول صاحب مغني ذوي الأفهام جهل بقواعد المذهب واصطلاح أهله، فإن الكتب المعتمدة في الفتوى عندهم معروفة محصورة، وهي كتب أئمة المذهب ورجاله، الذين إليهم المرجع، وصاحب مغني ذوي الأفهام ليس هو الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي تلميذ شيخ