للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما قال نبينا عليه السلام ... فأحب الله أن يبتليهم تكميلاً لفضائلهم لديه، ورفعة لدرجاتهم عنده، وليس ذلك في حقهم نقصاً ولا عذاباً، بل هو.. كمال رفعة، مع رضاهم بجميل ما يجري الله عليهم، فأراد الحق سبحانه أن يختم لهم بهذه الشدائد، مع إمكان التخفيف والتهوين عليهم، ليرفع منازلهم، ويعظم أجورهم قبل موتهم، كما ابتلى إبراهيم بالنار، وموسى بالخوف والأسفار وعيسى بالصحارى والقفار، ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بالفقر في الدنيا ومقاتلة الكفار، كل ذلك لرفعة في أحوالهم وكمال في درجاتهم.

ولا يفهم من هذا أن الله شدد عليهم أكثر مما شدد على العصاة المخلطين؛ فإن ذلك عقوبة لهم، ومؤاخذة على إجرامهم، فلا نسبة بينه وبين هذا) ١.

فشدة السكرات تخفف من الذنوب، وكل ما يصيب الإنسان من مرض أو شدة أو هم أو غم حتى الشوكة تصيبه فإنها كفارة لذنوبه، ثم إن صبر واحتسب كان له مع التكفير أجر ذلك الصبر الذي قابل به هذه المصيبة التي لحقت به، ولا فرق في ذلك بين ما يكون عند الموت، وما يكون قبله، فالمصائب كفارات لذنوب المؤمن٢، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: “ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلاحط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها” ٣، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيراً يصب منه” ٤ وقوله صلى الله عليه وسلم: “ما يصيب المؤمن من


(١) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ١/٤٨- ٥٠.
(٢) انظر فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ٢/٩٨٩.
(٣) رواه البخاري، كتاب المرضى والطب، باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأول فالأول ح٥٦٤٨. ورواه مسلم، كتناب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن ونحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها ح٢٥٧١.
(٤) رواه البخاري، كتاب المرضى والطب، باب ما جاء في كفارة المرض وقول الله تعالى {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} ح٥٦٤٥.

<<  <   >  >>