طرده بحيث لا يأوى فى بلد او حبسه أو بحسب ما يراه الإمام من هذا وهذا ففى مذهب أحمد ثلاث روايات الثالثة اعدل وأحسن فإن نفيه بحيث لا يأوى فى بلد لا يمكن لتفرق الرعية وإختلاف هممهم بل قد يكون بطرده يقطع الطريق وحبسه قد لا يمكن لأنه يحتاج إلى مؤنة إلى طعام وشراب وحارس ولا ريب أن النفى أسهل إن أمكن.
وقد روى إن هيتا لما إشتكى الجوع أمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يدخل المدينة من الجمعة إلى الجمعة يسأل ما يقيته إلى الجمعة الأخرى ومعلوم أن قوله:{أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ}[المائدة: ٣٣] لا يتضمن نفيه من جميع الأرض وإنما هو نفيه من بين الناس وهذا حاصل بطرده وحبسه، وهذا الذى جاءت به الشريعة من النفى هو نوع من الهجرة أى هجره وليس هذا كنفى الثلاثة الذين خلفوا ولا هجره كهجرهم فإنه منع الناس من مخالطتهم ومخاطبتهم حتى أزواجهم ولم يمنعهم من مشاهدة الناس وحضور مجامعهم فى الصلاة وغيرها وهذا دون النفى المشروع، فإن النفى المشروع مجموع من الأمرين وذلك أن الله خلق الآدميين محتاجين إلى معاونة بعضهم بعضا على مصلحة دينهم ودنياهم فمن كان بمخالطته للناس لا يحصل منه عون على الدين بل يفسدهم ويضرهم فى دينهم ودنياهم إستحق الإخراج من بينهم وذلك أنه مضرة بلا مصلحة فإن مخالطته لهم فيها فسادهم وفساد أولادهم فإن الصبى إذا رأى صبيا مثله يفعل شيئا تشبه به وسار بسيرته مع الفساق فإن الإجتماع بالزناة واللوطيين فيه أعظم الفساد والضرر على النساء والصبيان والرجال فيجب أن يعاقب اللوطى والزانى بما فيه تفريقه وإبعاده، وجماع الهجرة هى هجرة السيئات وأهلها وكذلك هجران الدعاة إلى البدع وهجران الفساق وهجران من يخالط هؤلاء كلهم أو يعاونهم”١.