للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا حتى ينقلب طبعها ويصير مجانسا لطبيعة القلب فتصير بذلك مطمئنة بعد أن كانت لوامة وإنما تصير مطمئنة بعد تبدل صفاتها وانقلاب طبعها لاستغناء القلب بما وصل إليه من نور الحق سبحانه فجرى أثر ذلك النور في سمعه وبصره وشعره وبشره وعظمه ولحمه ودمه وسائر مفاصله وأحاط بجهاته من فوقه وتحته ويمينه ويساره وخلفه وأمامه وصارت ذاته نورا وصار عمله نورا وقوله نورا ومدخله نورا ومخرجه نورا وكان في مبعثه ممن انبهر له نوره فقطع به الجسر.

وإذا وصلت النفس إلى هذه الحال استغنت بها عن التطاول إلى الشهوات التي توجب اقتحام الحدود المسخوطة والتقاعد عن الأمور المطلوبة المرغوبة فإن فقرها إلى الشهوات هو الموجب لها التقاعد عن المرغوب المطلوب وأيضا فتقاعدها عن المطلوب بينهما موجب لفقرها إلى الشهوات فكل منهما موجب للآخر وترك الأوامر أقوى لها من افتقارها إلى الشهوات فإنه بحسب قيام العبد بالأمر تدفع عنه جيوش الشهوة كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَر} [العنكبوت:٤٥] ١.

- ومما يقوي الإيمان التحصن بالأدعية والأوراد المشروعة، وقد نبه إليها أهل العلم وبينوا خصائصها وتأثيرها كما في كلام ابن القيم رحمه الله قال: “وأصل المعاصي كلها العجز فإن العبد يعجز عن أسباب أعمال الطاعات، وعن الأسباب التي تبعده عن المعاصي وتحول بينه وبينها فيقع في المعاصي فجمع هذا الحديث الشريف استعاذته صلى الله عليه وسلم من أصول الشر وفروعه ومبادئه وغاياته وموارده ومصادره، وهو مشتمل على ثمان خصال كل خصلتين منها قرينتين فقال “ أعوذ بك من الهم والحزن” وهما قرينتان، فإن المكروه الوارد على القلب ينقسم باعتبار سببه إلى قسمين: فإنه إما أن يكون سببه أمرا ماضيا فهو يحدث الحزن،


١ طريق الهجرتين – ص ٧١

<<  <   >  >>