الثاني: زوال الموانع التي تعيق الانتفاع بالموعظة كاتباع الهوى والرين الذي يغطي على القلب.
وفي هذا قال ابن القيم رحمه الله: “ المنيب المتذكر لا تشتد حاجته إليها [أي الموعظة] كحاجة الغافل المعرض فإنه شديد الحاجة جدا إلى العظة ليتذكرما قد نسيه فينتفع بالتذكر وأما العمى عن عيب الواعظ: فإنه إذا اشتغل به حرم الانتفاع بموعظته لأن النفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه ولا ينتفع به وهذا بمنزلة من يصف له الطبيب دواء لمرض به مثله والطبيب معرض عنه غير ملتفت إليه بل الطبيب المذكور عندهم: أحسن حالا من هذا الواعظ المخالف لما يعظ به لأنه قد يقوم عنده دواء آخر عنده مقام هذا الدواء وقد يرى أن به قوة على ترك التداوي وقد يقنع بعمل الطبيعة وغير ذلك بخلاف هذا الواعظ فإن ما يعظ به طريق معين للنجاة لا يقوم غيرها مقامها ولا بد منها ولأجل هذه النفرة قال شعيب عليه السلام لقومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}[هود:٨٨] وقال بعض السلف: إذا أردت أن يقبل منك الأمر والنهي: فإذا أمرت بشيء فكن أول الفاعلين له المؤتمرين به وإذا نهيت عن شيء فكن أول المنتهين عنه وقد قيل:
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام ومن الضنى تمسي وأنت سقيم
لا تنه عن خلق وتأتى مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
إبدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى بالقول منك وينفع التعليم
فالعمى عن عيب الواعظ: من شروط تمام الانتفاع بموعظته وأما تذكر الوعد والوعيد: فإن ذلك يوجب خشيته والحذر منه ولا تنفع الموعظة إلا لمن آمن به وخافه ورجاه قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ}