[هود:١٠٣] وقال: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى}[الأعلى:١٠] وقال: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}[النازعات [٤٥] وأصرح من ذلك قوله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}[ق:٤٥] فالإيمان بالوعد والوعيد وذكره: شرط في الانتفاع بالعظات والآيات والعبر يستحيل حصوله بدونه قال وإنما تستبصر العبرة بثلاثة أشياء: بحياة العقل ومعرفة الأيام والسلامة من الأغراض إنما تتميز العبرة وترى وتتحقق بحياة العقل والعبرة هي الاعتبار وحقيقتها: العبور من حكم الشيء إلى حكم مثله فإذا رأى من قد أصابته محنة وبلاء لسبب ارتكبه علم أن حكم من ارتكب ذلك السبب كحكمه وحياة العقل: هي صحة الإدراك وقوة الفهم وجودته وتحقق الانتفاع النور {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ}[إبراهيم:٥] .
وقد فسرت أيام الله بنعمه وفسرت بنقمه من أهل الكفر والمعاصي، فالأول تفسير ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد، والثاني: تفسير مقاتل.
والصواب: أن أيامه تعم النوعين وهي وقائعه التي أوقعها بأعدائه ونعمه التي ساقها إلى أوليائه وسميت هذه النعم والنقم الكبار المتحدث بها أياما لأنها ظرف لها تقول العرب فلان عالم بأيام العرب وأيام الناس أي بالوقائع التي كانت في تلك الأيام فمعرفة هذه الأيام توجب للعبد استبصار العبر وبحسب معرفته بها تكون عبرته وعظته قال الله تعالى: {لقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلبَابِ}[يوسف: ١١١] ولا يتم ذلك إلا بالسلامة من الأغراض وهي متابعة الهوى والانقياد لداعى النفس الأمارة بالسوء فإن اتباع الهوى يطمس نور العقل ويعمي بصيرة القلب ويصد عن اتباع الحق ويضل عن الطريق المستقيم فلا تحصل بصيرة العبرة معه ألبتة والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره فأرته نفسه الحسن في صورة القبيح والقبيح في صورة الحسن فالتبس عليه الحق بالباطل فأنى له الانتفاع بالتذكر والتفكر أو بالعظة.”١.