للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثاني: معرفة آداب المواعظ:

وهو أمرلا بد للداعية من معرفته ومراعاته كي تكون موعظته حسنة، فيتجنب السب والشتم واللعن وبذاءة اللسان وفحش القول والسخرية وحب الانتقام للنفس وكل ما نهى عنه الشرع. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: “ وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شئ قط الا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله” ١.

وتأمل كيف وعى الصحابة هذا القصد في الوعظ والنصح روى ابن الجوزي رحمه الله قال: مر أبو الدرداء رضي الله عنه على رجل قد أصاب ذنبا فكانوا يسبونه فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله عز وجل الذي عافاكم. قالوا أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي٢.

ومن فقه الدعوة في هذه معرفة دقيق العلم المتعلق به، قال ابن تيمية بعد أن ذكر المذهبين في جواز لعن العصاة وعدم جوازه: “ والتحقيق أن هذين القولين يسوغ فيهما الإجتهاد فإن اللعنة لمن يعمل المعاصى مما يسوغ فيها الاجتهاد وكذلك محبة من يعمل حسنات وسيئات بل لا يتنافا عندنا أن يجتمع فى الرجل الحمد والذم والثواب والعقاب كذلك لا يتنافا أن يصلى عليه ويدعى له وأن يلعن ويشتم أيضا باعتبار وجهين.

فإن أهل السنة متفقون على أن فساق أهل الملة وإن دخلوا النار أو استحقوا دخولها فإنهم لا بد أن يدخلوا الجنة فيجتمع فيهم الثواب والعقاب ولكن الخوارج والمعتزلة تنكر ذلك وترى أن من استحق الثواب لا يستحق العقاب، ومن استحق العقاب لا يستحق الثواب، والمسئلة مشهورة وتقريرها في غير هذا الموضع، وأما جواز الدعاء للرجل وعليه فبسط هذه المسألة فى الجنائر


١ متفق عليه: خ: المناقب (٣٥٦٠) واللفظ له، م: الفضائل (٢٣٢٧) .
٢ صفة الصفوة ١/٦٤٠.

<<  <   >  >>