للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- وأن لا يبلغ الزاجر والواعظ في تغليظه وتشديده على العصاة حد التيئيس من رحمة الله، وربما تورط في القول على الله تعالى بغير علم، فيكون كمن نهى غيره عن الصغائر وأوقع نفسه في الكبائر! يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم” ١.

وفي قوله (فهو أهلكهم) وجهان: الأول بفتح الكاف أي قال لهم هلكوا ولا يكون ذلك إلا إذا استحقرهم، وفي هذا حملهم على التمادي في المعصية فهو آيسهم. الوجه الثاني (فهو أهلكُهم) بالضم والمعنى فهو أكثرهم هلاكا لعجبه بنفسه، وكلا الوجهين مذموم. ونقل أبو داود عن الإمام مالك قوله: إذا قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس ـ يعني في أمر دينهم ـ فلا أرى به بأسا، وإذا قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغرا للناس فهو المكروه الذي نهي عنه.٢

إن إقامة الحدود من واجبات الولاة والحكام لأنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولنمض مع الامام ابن القيم يفصّل لنا الكلام في هذا وننقل منه ما ذكره بطوله خاصة في باب التعزير قال رحمه الله: “ ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية فإن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن فإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور.

والعقوبة تكون على فعل محرم أو ترك واجب، والعقوبات كما تقدم منها ما هو مقدر ومنها ما هو غير مقدر وتختلف مقاديرها وأجناسها وصفاتها باختلاف أحوال الجرائم وكبرها وصغرها وبحسب حال المذنب في نفسه.

والتعزير منه ما يكون بالتوبيخ وبالزجر وبالكلام ومنه ما يكون بالحبس ومنه ما يكون بالنفي ومنه ما يكون بالضرب وإذا كان على ترك واجب كأداء


١ م: البر والصلة (٢٦٢٣) ، د: الأدب (٤٣٣١) ، أحمد: المكثرين (٨١٥٨) .
٢ سنن أبي داود: الموضع السابق.

<<  <   >  >>