الجمعة بالسوق وهو الأذان الأول، ثم نقل إلى المسجد.
١٠ - ومنها: أن الصناع في صدر الإسلام كانوا لا يضمنون ما يصنعون إذا ادعوا تلفه، فلما رأى على بن أبي طالب كرم الله وجهه أن الناس لا يستغنون عن الصناع عادة، لشدة حاجتهم إليهم وأن من طبيعة عمل الصانع أن يسمح له بإبعاد الأمتعة التي يصنعها عن أعين أصحابها، والأغلب عليهم التفريط وترك الحفظ، فلما رأى علي رضي الله عنه هذا، قضى بتضمين الصناع ما يدعون تلفه من الأمتعة إذا لم يقيموا الدليل على تلفه بغير سبب منهم، وقال رضي الله عنه: لا يصلح الناس إلا ذاك، فهذا الحكم الجديد إنما شرع رعاية للمصلحة وحدها، حيث لا نص، ولا نظير يقاس عليه، قال الشاطبي: فلو لم يثبت تضمينهم مع مسيس الحاجة إلى استعمالهم، لأفضى ذلك إلى أحد أمرين: إما ترك الاستصناع بالكلية، وذلك شاق على الخلق، وإما أن يعملوا ولا يضمنوا ذلك بدعواهم الهلاك والضياع، فتضيع الأموال، ويقل الاحتراز، وتتطرق الخيانة، فكانت المصلحة التضمين، هذا معنى قوله: لا يصلح الناس إلا ذاك اهـ.
فهذه النصوص وغيرها تدل على أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يقفوا جامدين أمام الوقائع والحوادث التي جدت واحتاجت إلى حكم بعد عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما شرعوا لها من الأحكام ما يكفل مصالح الناس فيها، مسترشدين بمقاصد الشريعة العامة، فلم يمنعهم من رعاية المصالح أن النصوص لم ترد بها جميعها ـ إذا لم يكن ذلك ممكناً، ولم يمنعهم كذلك أن بعضها ليس له نظير يقاس عليه، فيعطى حكمه، ولم يشترطوا الإجماع على هذه الأحكام وأمثالها، ما دام وجه المصلحة واضحاً فيها.
مناقشة هذا الدليل:
نوقش هذا الدليل بعدم تسليم أن الصحابة رضوان الله عليهم اعتبروا المصالح المرسلة في التشريع، وأنهم كانوا يقنعون بمجرد معرفة المصلحة، ولا يبحثون عن أمر آخر وراء ذلك، بدليل أنه لو كان الأمر كذلك لم ينعقد الإجماع بعدهم على