للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وركبكم على تفرقكم، وكنتم له نهزة الخاطف، وإن ثبتّم على اجتماعكم هاب القوم الإقدام عليكم ونزع إليكم أهل رأيكم وغيرهم ممن يسعى على نصر بما يكره، وإنّي لأرجو أن يكون ما قضى الله من اجتماعكم شيئا قويّا لعزّكم وقوّتكم. وقال سليمان بن كثير: صدق والله أبو صالح، والله ما تفرّق قوم بعد اجتماعهم إلّا ذلّوا وأكلوا، وقد رأيتم عند هذه الفزعة ما سرّكم من الكثرة والقوّة، فقال أبو مسلم: الرأي والله يا أبا محمد ما رأيتما، واتّفق القوم على [١٣٤ ب] ذلك، فلمّا أصبحوا، وذلك يوم الخميس لخمس بقين من شهر رمضان سنة تسع وعشرين ومائة عسكر بهم أبو مسلم في حائط حصين لسليمان، وفشا خبرهم فأقبلت الشيعة من كلّ وجه. وقدمت الدعاة بمن [١] أجابهم من إخوانهم فلم يمسوا يومهم ذلك حتى صاروا نحوا من الفين، وصبّحهم من الغد مثلهم، وتتابع الناس إليهم، فأتاهم عيسى بن شبل [٢] وأبو الوضاح وأبو قرّة في نحو من ألف رجل، فأفطروا وقد كثر جمعهم، وسوّدوا ثيابهم، ونصبوا أعلامهم، ونشروا راياتهم، فصلّى بهم سليمان بن كثير يوم العيد، وهي أول جماعة كانت لأهل الدعوة.

فبينما هم على ذلك إذ قدم على أبي مسلم كتاب من أبي سلمة: متى ظهرت فلا تعدلن بأن تخندق على نفسك ومن معك فإنّ ذلك رأي الإمام، وفيه عزّك، وسينزع إليك أعداء نصر ومن حاربه ليتعززوا بك، ودافع الحرب ما استطعت، وقدّم وأخّر، ولا توحش نصرا منك إلى دخول المحرّم. فأقام أبو مسلم بمعسكره اثنين وأربعين يوما، وبعث عمرو بن أعين وأبا داود إلى طخارستان [٣] لما أمر من بها من الشيعة بالاستعداد إلى أن


[١] في الأصل: «من» .
[٢] انظر ص ٢١٧ و ٢٢٢ من هذا الكتاب.
[٣] انظر الطبري س ٢ ص ١٩٥٣. وعن طخارستان، انظر معجم البلدان ج ٤ ص ٢٣.

<<  <   >  >>